آخر الأخبار
موضوعات

الجمعة، 7 مارس 2014

- الاخوة فى الله

- الاخوة فى الله
إعلم أن الأخوة مشهد من مشاهد التوحيد الكامل , التى بها تتجلى معانى الكمالات والنزاهة لذات الأحد سبحانه , من حيث أنه تنزه غنى الخلق قائم بذاته , منزه عن المعين والصاحب والوالد والولد وعن التركيب والأعضاء والأجزاء , وأنت المفتقر إلى الأعضاء والجوارح والولد والصاحب والمعين والوكيل والوزير , فالأخوة أكمل جمالات رتبتك , بها تتميز الحضرتان وتظهر المكانتان , حتى تحقق عين يقين من أنت ومن ربك .

الأخوان في الله عز وجل :

هم المعراج إلى حضرة الحق تعالى , بهم تتجدد معالم الحق وتعلو كلمته وتقام حدوده وتحفظ مناسكه وينتشر الأمن والعدل , قال الله تعالى : " يأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " , فالإخوان تشهدك في نفسك أنك عبد مضطر مفتقر ذليل , فتعلم بها معانى كمالات ربك القدير , وتشهدك معونة الله وإمداداته , وود الله لك وإحسانه بما يجريه على يديهم لك من الخير والمزيد والنصر والقوة , والأخ في الحقيقة هو أنت, وكلما أكثرت من الأخوة كلما كنت كثيراً , بقدرهم يكون لك ألسن وآذان وأعين وأيد وأرجل وكنوز وخزن , ذكر الله عز وجل عباده المؤمنين نعمته عليهم في الدين , إذ ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين , فأصبحوا بنعمته إخوانا بالألفة متفقين , وعلى البر والتقوى مضطجعين , ثم ضم التذكرة بالنعمة عليهم إلى تقواه , وأمر بالأعتصام بحبله وهداه , ونهى عن التفرق إذا جمعتهم الدار , وقرن ذلك بالمنة عليهم إذ أنقذهم من شفا حفرة النار , وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه سبحانه , وقد كانت المؤاخاة في الله تعالى والصحبة لأجله والمحبة له في الحضر والسفر طرائق للعاملين لما جاء فيه من الأمر والندب , إذ كان الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان , وكانت الألفة والصحبة لأجله , والمحبة والتزاور من أحسن أسباب المتقين .

* وقال أكثر التابعين باستحباب كثرة الإخوان في الله عز وجل , بالتأليف والتحبب إلى المؤمنين ,لأن ذلك زين في الرخاء , وعون في الشدائد , وتعاون على البر والتقوى والألفة في الدين , قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون , وأعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا , وأذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" , وقال رسول الله r: " إن اقربكم منى

مجلساً أحاسنكم أخلاقاً , الموطئون أكنافا , الذين يألفون ويؤلفون " , وقال عليه الصلاة والسلام : " مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى ,وما ألتقى مؤمنان إلا أفاد الله عز وجل أحداهما من صاحبه خيراً " وقال r: " من آخى أخاً في الله عز وجل , رفعه الله عز وجل درجة في الجنة لا ينالها بشئ من عمله " ويقال : إن الأخوين في الله عز وجل إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر , رفع الأعلى مقاما أخيه معه إلى مقامه , وأنه يلحق به كما تلحق الذرية بالأبوين , والأهل بعضهم ببعض .

* قال الله تعالى مخبراً عمن لا صديق له حميم تنفعه شفاعته : " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " . وقال r: " المؤمن كثير بأخيه " .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " ما أعطى عبد بعد الأسلام خيراً من أخ صالح" . وفي الأخبار السابقة عن داود عليه السلام : " إن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه يا داود مالى أراك منتبذاً وحيداً , قال : إلهى قليت الخلق من أجلك , فأوحى الله عز وجل إليه : يا داود كن يقظانا مرتاداً لنفسك إخواناً , فكل خدن لا يوافقك على مسرتى فلا تصحبه , فإنه لك عدو ويقسى قلبك ويباعدك منى " , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كونوا مؤلفين ولا تكونوا منفرين " وفي أخبار داود صلى الله عليه وسلم أنه قال " يارب كيف لى أن يحبنى الناس كلهم , وأسلم فيما بينى وبينك ؟ قال : خالق الناس باخلاقهم , وأحسن فيما بينى وبينك " وفي بعضها : " خالق أهل الدنيا بأخلاق الدنيا , وخالق أهل الأخرة بأخلاق الآخرة " .

وقال محمد ابن الحنفية بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم : " ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً , حتى يجعل الله عز وجل منه فرجاً ,ويقال : أن أحد الأخوين في الله عز وجل إذا مات قبل صاحبه , وقيل له أدخل الجنة سأل عن منزل أخيه , فإن كان دونه لم يدخل الجنة , حتى يعطى أخوه مثل منازله , ولا يزال يسأل له من كذا فيقال : إنه لم يكن يعمل مثل عملك , فيقول إنى كنت أعمل لى له , فيعطى جميع ما سأل له , ويرفع أخوه إلى درجته معه . ويقال : ما حسد العدو متعاونين على بر , حسده متآخين في الله عز وجل , ومتحابين فيه , فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما , وقد قال تعالى : " وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " , وقال عز وجل مخبراً عن يوسف عليه السلام : " بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخواتى " .

* وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : " عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم , فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء , وضع ما يغلبك من أمر أخيك على الحسنة حتى يحبك , واعتزل عدوك , وأحذر صديقك من القوم إلا الأمين , ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل , ولا تصحب الفاجر فتتعلم فجوره , ولا تطلعه على سرك , واستشر في أمرك الذين يخشون الله تبارك وتعالى " .

* وقال الأحنف : " من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث أن يجاوز عن ظلم الغضب وظلم الهفوة وظلم الدالة . "والدالة : الجرأة " وقال : الإخاء جوهرة رقيقة , فهى ما لم ترق عليها وتحرسها كانت معرضة للآفات , فارض الإخاء بالذلة حتى تصل إلى فوقه , وبالكظم حتى تعتذر إلى من ظلمك , وبالرضا حتى لا تستكثر من نفسك الفضل , ولا من أخيك التقصير .

* وقال أسماء بن خارجة الفزارى : ما سئمت أحداً قط لأنه إنما يسأمنى أحد رجلين , كريم كانت منه زلة وهفوة , فأنا أحق من غفرها , وآخذ عليها بالفضل فيها , أو لئيم فلم أكن أجعل عرضى له غرضاً .

* عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى r قال : " لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه " وعن ابي هريرة قال : قال رسول الله r: " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق " .

* الإخوان هم هياكل متعددة , سرت فيهم روح واحدة , كالجسد الواحد تعددت أعضاؤه ولكنه واحد , فإذا تألم عضو منه شعر بالألم كل الجسد , فكذلك الإخوان يتألمون جميعاً لألم أحدهم , غنيهم فقير لأنه يؤثر الفقير على نفسه , وفقيرهم غنى لكمال ثقته بربه , صفت قلوبهم فتجملت ظواهرهم , فإذا رأى الأخ الأخ كأنه أشرقت عليه أنوار , فأنبسط وانشرح وصافح وفرح , فيزداد نوراً , وحالاً على حاله , وعلماً على علمه , يبدل كل أخ لأخيه ما يجد من وجد أو موجود , فيغذى الأخ أخاه بعلمه , والآخر يغذيه بخبزه , فلا يقابل أخ أخاً إلا وفتحت أبواب السماء بالبركات , وهطلت الأرزاق والفتوحات , نزع الله ما في صدورهم من غل , وما في قلوبهم من طمع, لأنه سبحانه هو المحبوب لهم في أنفسهم وما تقولون في أثنين تقابلا على شوق في الله وبذل في ذات الله ؟ ,هذا يبذل لأخيه ما به سعادته الأبدية من علم وحال وخلق حسن , والآخر يبذل له نفيس طعامه وشرابه وماله وما تقولون فيمن تحقق فيهم قوله r في الحديث القدسى عن الله تعالى : " المتحابون فيّ َوالمتباذلون فيَّ على منابر من نور يغبطهم الملائكة والأنبياء لقربهم من الله " .

وليس هذا الوصف العلى موجوداً إلا في الصديقين وأبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام , فكل أخ يعامل إخوانه بهذا فهو من الصديقين , ومن أبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام .

* فالأخ في الله تعالى :هو شخص آخر إلا أنه أنت , لآنه يقصد ما تقصد ويتمنى ما تتمنى , ويعتقد ما تعتقد , ويعمل بعملك , ويقتدى بقولك وعملك وحالك , ذاق ذوقك وفهم عبارتك وأدرك أشارتك , يسعى فيما يرضيك ويحب من تحب , يصادق صديقك ويعادى عدوك , يحفظك غائباً ويسرك حاضراً , يذكرك إن غفلت ويعينك إن ذكرت في مرضاتك عندما ترضى الله تعالى , ويتوقف عن العمل إن جهل حكم عملك , حتى تبين له بدون جدل ولا انتقاد ولا اعتراض , تجمل بكل خصالك , واتصف بجميع صفاتك , ودك بأكمل ما يود به نفسه , وتحمل الشدائد في جمع الكلمة , ويجاهد نفسه ليتجمل بمكارم الأخلاق , يصل رحمك ويكرم أقاربك ويعطف على أولادك , هذا هو الخ ولو كان بعيد النسب عنك .

* الأخ هو أنت خلقا واعتقادا ومقصدا وعملا وحالا , الأخ من بذل نفسه قبل نفسك , وماله قبل مالك , وقدم أصدقاءك وأهلك وأولادك على خاصته وأهله وأولاده

* ليس الأخ بنسب الأبوين , إنما الأخ من ناسبك في خصوصيتك , وتشبه بك في جميع أحوالك , قرب منك بما جملك الله به فصار قريبك , وانتسب بما تقربت به إلى الله فصار من نسبك .

* الأخ من لا تتكلف وله ولا تخشى الشر منه , استوى عندك السر والعلن معه , وا،ت عظيم في عينه وقلبه في كل أحوالك , من يسر وعسر وبعد وقرب , إن شددت يسر وإن يسرت هابك , سروره أن تكون مسروراً , هذا هو الأخ ( وقليل ماهم ) فهذا الأخ هو الوارث للأحوال والعلوم والأسرار , فإذا كان من أهل نسبك كان ذلك أكمل وأجمل وذلك هو الفضل العظيم , وإنما هى متشابهة توجب القرب بعد الحب , فالرقى إلى المقام بعد الحال , والوصول فالكمال .

أسأل الله أن يجملنا بأخلاقه , وأن يمنحنا عنايته , وأن يواجهنا بواجهه الجميل , إنه مجيب الدعاء .

الرفيق في الطريق :-

أيها السالك مسالك الوصول , الساعي بتوفيق الله تعالي الي مقام الشهود, عليك بالأخ الصادق المخلص في الطلب , المجد المحافظ علي الادب , واجعل سريرتك صافية من جهتة , وكن له كما تكون لشيخك , فان الشيخ أيها الانسان يحجبك عنه هيبتة , وعزمة في نصيحتك علي الهفوات والصغائر من كماله وحسن أدبه . فكن في سيرك الأول متوجها لأخ سبقك في صحبة هذا الشيخ , لعلمة بما يحبة منك وما يبغضه , ولا تنتقد علي هذا الصاحب في العمل تراه , خصوصا بالنسبة للشيخ , فانه أعلم منك بما يحبه الشيخ , بل سلم له جميع ذلك , واياك أن تعاتبه او تعاقبه , أو ترفع شكوي فيه للشيخ , أو تخاصم أحدا من إخوانك , أو تعادي منهم احدا , أو تفوه بإشهار عيب من عيوبهم – خصوصا أمام الشيخ – وتكلف ستر عورتهم , وغض الطرف عن عيوبهم , وخذ منهم ما

تراه من جميل الصفات وكمل الأخلاق , وكلما قدمك هذا الأخ أمام الشيخ , فاحفظ ادبك معه , واجعله أرفع منك مقام , فللمشايخ أحوال يمتحنون بها أخلاق مريديهم , ويفيضون المدد للمريد علي قدر أخلاقه , والله سبحانه وتعالي أعلم .

* مراتب الأخوان :-

من سبقك ولو بيوم في صحبة الشيخ فله عليك فضل السابقية , ثم تصلهم بقدر مجاهداتهم وبذلهم وموالاتهم وكمال اتباعهم وحسن أخلاقهم وصدق تسليمهم , فقد يفضل الواحد على الألف لما اختص به من الفضائل والكمالات , وهذا الفضل يجب على الأخوان أن يتناسوه فيما بينهم , بمعنى أن الأخ الفاضل الذى ميزه الله بأكبر خصال الخير لا يشهد لنفسه فضلاً على إخوانه , إنما ذلك أمر تشهد به الإخوان له , فلا يغتر به , بل يزداد في تواضعه , وفي رغبته , وفي إقباله وفي مجاهداته , فإن الكمالات الإلهية لا نهاية لها , المواهب الربانية لا حصر لها , فمن وقف عند حد منها رضي لنفسه بالنقص مع تيسير الكمال له .

* وعلى الأخوان أن يعتقدوا الإحسان في غيرهم , والنقص في أنفسهم , وأن يغضوا عيون البحث عن عيوب بعضهم , ويصموا آذان التنقيب عن نقائض بعضهم , فإن المريد ليس رسولا معصزما , ولا ملكاً نوارنيا مجرداً عن لوازم البشرية . وعلى كل أخ أن يشتغل بتطهير نفسه , وتزيتها من عيوبها , وأن ينظر لنفسه بالانتقاد أو البحث عن دسائسها ومساوئها , وينظر لكمالات إخوانه ليتكمل بها , ومحاسنهم ليتجمل بها , وهذا سبيل السلف الصالح من أهل الحب والصدق والإخلاص .

* فضائل الأخوة في الله :

عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المتحابون في الله عز وجل على عمود من ياقوت حمراء , في رأس العمود سبعون ألف غرفة , مشرفون على أهل الجنة , يضئ حسنهم لأهل الجنة , كما تضئ الشمس لأهل الدنيا , عليهم ثياب سندس خضر , مكتوب على جباههم : هؤلاء المتحابون في الله عز وجل "

* وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن حول العرش منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوهم نور و ليسوا بأنبياء ولا شهداء , يغبطهم الأنبياء والشهداء , فقالوا : يا رسول الله صفهم لنا , فقال : هم المتحابون في الله عز وجل , والمتجالسون في الله تعالى , والمتزاورون في الله تعالى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , منهم كذا وكذا واثنان تآخيا في الله عز وجل , اجتمعا على ذلك وتفرقا " .

وكان الفضل بن عياض وغيره يقول : نظر الأخ إلى وجه أخيه على المودة والرحمة عبادة .

* بم تصح الأخوة في الله :

لا تصح الأخوة في الله عز وجل إلا بما شرط فيها من الرحمة في الأجتماع , والخلطة عند الأفتراق بظهور النصيحة , واجتناب الغيبة وتمام الوفاء , ووجود الأنس وفقد الجفاء , وارتفاع الوحشة , ووجود الأنبساط , وزوال الأحتشام . وقال عليه الصلاة والسلام : " أحب اإخوان إلي الله عز وجل أرفقهما بصاحبه " , وقال ابن عباس في وصيته لمجاهد : لا تذكر أخاك إذا تغيب عنك إلا بمثل ما تحب أن تذكر به إذا غبت , وأعفه بما تحب أن تعفى به , وقال آخر : ما ذكر أخ لى في غيبته إلا تصورت نفسى في صورته , فقلت فيه ما أحب أن يقال في , فهذا حقيقة في صدق الإسلام , لا يكون مسلما حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه .

وعن بعض الحكماء : من جعل نفسه فوق قدره عند الإخوان أثم وأثموا ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم , ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا .

وفي الأخبار : اثنان عزيزان ولا يزدادان إلا عزة , درهم حلال , وأخ تسكن إليه .

وقد كان أبو الدرداء يقول : إذا تغير أخوك رحاله عما كان فلا تدعه لأجل ذلك , فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم اخرى . وفي حديث عمر وقد سأل عن أخ كان قد آخاه , فخرج إلى الشام , فسأل عنه بعض من قدم عليه فقال : ذلك اخو الشيطان , قال : مه , قال إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر , فقال : إذا أردت الخروج فأخبرنى , قال فكتب إليه : " بسم الله الرحمن الرحيم , حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب " الآية , ثم عاتبه تحت ذلك وعذله , فلما قرأ الكتاب قال : صدق الله ونصح لى عمر , قال : فتاب ورجع .

وكان الحسن وأبو قلابة يقولان : إخواننا أحب الينا من أهلينا واولادنا , لأن أهلينا يذكرونا الدنيا , والإخوان يذكرونا الآخرة .

*وقال عليه الصلاة والسلام : " مازا ر رجل أخاه في الله عز وجل شوقاً إلأيه ورغبة في لقائه , إلا ناداه ملك من خلفه : طبت وطابت لك الجنة " , وعن عطاء كان يقول: تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث , فإن كانوا مرضى فعودوهم , وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم , وإن كانوا نسوا فذكروهم و وقال الحنف بن قيس : ثلاث خلال تجلب بهن المحبة , الأنصاف في المعاشرة , والمواساة في الشدة , والأنطواء على المودة . فأول ما تصح المحبة في الله أن لا يكون لضد ذلك من صحبة لأجل معصيته , ولا على حظ من دنياه , ولا لسبب موافقته على هواه , ولا لأجل ارتفاقه اليوم لمنافعه ومصالحه في أحواله ولا يكون ذلك مكافأة على إحسان أحسن به إليه , ولا لنعمة ويد يجزيه عليها , فهذه ليس فيها

طريق إلى الله تعالى ولا للآخرة , لأنها طرقات الدنيا ولأسباب الهوى , فإذا سلم من هذه المعانى فهذا أول المحبة لله تعالى . ولا يقدح في الإخوة لله تبارك وتعالى أن يحبه لحسن خلقه , وفضل أدبه , وحسن حلمه , وكمال عقله , وكثرة احتماله وصبره , أو لوجود الأنس به , وارتفاع الوحشة منه , وإنما يخرجه عن حقيقة الحب في الله أن يحبه لما يكون دخلا في الدين , ووليجة في طرائق المؤمنين , ولما أنفصل عنه ولم يكن متصلاً به مثل الأنعام والأفضال ووجود الإرتفاق , فهذا الحب لا يمنع القلب وجده لما جبل الطبع عليه , ولبغض من كان بضده ممن أساء اليه . وحقيقة الحب في الله عز وجل أن لا يحسده على دين ولا دنيا , كما لا يحسد نفسه عليهما , وأن يؤثره بالدين والدنيا إذا كان محتاجا إليهما كنفسه , وهذان شرطا الحب في الله عز وجل اللذين ذكرهما الله تعالى في قوله : " يحبون من هاجر إليهم ".

* ثم وصف محبتهم إذا يصف حقاً ويمدح محقاً فقال تعالى : " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا " , يعنى من دين ودنيا , ثم قال تعالى في الشرط الثانى : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " , ولا تصح مؤخاة مبتدع في الله تعالى ولا محبة فاسق يصحب على فسوقه , ولا محبة فقير أحب غنياً لآجل دنياه , ولا ما يناله من عاجل مناه , وليس الإخاء كف الأذى لأن هذا واجب الإخاء الصبر على الأذى .

وكانت طائفة من الصوفية لا يصطحبون إلا على استواء أربع معان , لا يترجح بعضها , ولا يكون فيها اعتراض من وهى :

إن أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم .

وإن صلى الليل أجمع لم يقل له أحد نم بعضه .

وتستوى حالاته عنده فلا مزيد لأجل صيامه وقيامه , ولا نقصان لأجل إفطاره ونومه , فإذا كان عنده يزيد بالعمل وينقص بترك العمل فالفرقة أسلم للدين .

وقد كان الأخوان يتهافتون على العلوم والأعمال وعلى التلاوة والأذكار .

وبهذه المعانى تحسن الصحبة وتحق المحبة , وكانوا يجدون من المزيد من ذلك والنفع به في العاجل والآجل مالا يجدونه في التخلى والأنفراد , من تحسين الأخلاق , وتلقيح العقول , ومذاكرة العلوم , وهذا لا يصح إلا لأهله , وهم أهل سلامة الصدور , والرضا بالميسور مع وجود الرحمة , وفقد الحسد ووجد التناصر , وعدم التظاهر , وسقوط التكلف ودوام التآلف , وقد ضم الله عز وجل الصديق إلى الأهل ووصله بهم , ثم رفع الأخ وقدمه على الصديق وهو قوله عز وجل : " أو ما ملكتم مفاتحه " .

* نصيحة للأخوان :

آخى تباعد عن أخلاق أبليس وهى : الحسد , والكبر , والطمع , وحب الشهرة والسمعة , وأذية الخلق , والغيبة والنميمة , والكذب والزور و وإشاعة الفاحشة في إخوانك المؤمنين , واحب لجميع إخوانك ما تحبه لنفسك , ودع الفساد , وتباعد عن أخلاق البهائم من الحرص , والبخل و والأنتقام , والحيل , والمكر والخداع , والتملق , والزنا , وشرب الخمر و والتهاون بحقوق الناس . وتخلق بأخلاق الملائكة بتأدية المأمورات , والتباعد عن المنهيات , واحفظ الرأس وما وعى من العينين والأذنين واللسان والنف . والجسم وما حوى من اليدين والقلب والبطن والفرج والرجلين .واحكم يأخى أنك من أكابر الأولياء الله تعالى , المحفوظين بعين عنايته و لأن الله لا يوفق لهذه إلا صفوته من أوليائه , وهو الموفق الهادى سبحانه وتعالى , وأدم الشكر على لنعمته تعطى المزيد , والله سبحانه ولى المؤمنين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

* من أحبك لذاتك عاداك , ومن أحب الله ورسوله فيك دام أنسه بك .

*أخوك من أذا غفلت ذكرك , واذا ذكرت أعانك .

* ما أجهل من خسر الرجال ليكتسب المال , وأجهل منه من خسر المال ليخاصم الرجال , وشر منهما من خسر دينه ليكتسب الدنيا , والعاقل يبدل ماله ليكتسب أخوانه , ويبذل نفسه ليكتسب دينه . * الأخ الذي ينتظر عطائك فهو أخ لعطائك , ومثل هذا خذه سائلا مسكينا تتقرب الي الله فيه .

* الأخ الصالح كنزك عند فقرك

* كن أقرب إلى أخيك عندما تراه قريبا من إبليس

* خير إخوانك من كانوا في ميزانك

*خير الأخوان من فقه إيرادتك , وفهم إشارتك , ونفذ أوامرك .

*شر الأخوان من إذا أرضيته مدح وإذا أغضبته قدح

* لا تثق إلا بالله , وإحتاط من الناس بسوء الظن , ولا تنفذ سوء الظن في إخوانك إلا بعد التبصرة .

* الأحسان واجب عليك إلى أخيك ولو تحققت منه الأساءة , فكيف تسئ إليه مع تشكك في قصده ؟

* ليس كل أخ في الطريق معك في منزلته , لنهم درجات فعلى المريد أن يصطفى من إخوانه أخاً يعلوا بمجالسته حاله , وتزكوا بمخاطبته نفسه ,ويعامل جميع أخوانه بحسب مراتبهم , ليكون روحاً لهم معينة على ما هم فيه , فيمدح المبتدئ على حسن عمله والواصل على حاله , ويتنزل لكل أخ حتى تأتلف القلوب وتنشرح الصدور , ويتألف الجسد كاملاً , لكل عضو فيه وظيفة يقوم بها , وبذلك تدوم الألفة وتزداد المحبة ويطيب لكل أخ وقته , ويصفوا حاله ويطمئن قلبه .

الأحد، 2 مارس 2014

- جنة آدم عليه السلام

- جنة آدم عليه السلام
إن الجنة التي أسكن الله فيها آدم عليه السلام لم تكن دار نعيم يقيم فيها للأبد، ولكن الله أسكنه فيها للابتلاء والاعتبار، ومن هنا أمره الله ونهاه وهو في الجنة.
والجنة قد جعلها الله للتكريم والتشريف وليست للتعريف والتكليف، فلما أمر الله آدم عليه السلام بأن يسكن الجنة هو وزوجته حواء، وأن يأكلا من جميع خيراتها، ويتمتعا بما فيها، ولما نهاهما الله عن الاقتراب من شجرة معهودة في الجنة، علمنا أن الله أسكنه الجنة للابتلاء والاختبار وليس للجزاء والثواب، وحيث أن جنة آدم كانت للتكليف وللأمر والنهي فحصل وقوع المعصية فيها لأنه صارت أشبه شيء بعالم الحياة الدنيا. الذي ترد فيه من المكلف الطاعة والمعصية.
أما الجنة التي وعد الله بها المؤمنين فهي للسعادة الأبدية، وللنعيم المقيم والسرور الدائم ونوال كل ما يشتهيه الإنسان وكل ما يتمناه من غير أن يعتري ذلك خلل ولا وصب ولا نصب ولا فتور، لأن الجنة بالنسبة للمؤمنين دار الجزاء الأوفى ودار الخلود الأبدي جزاءا على ما قدموا لأنفسهم في الحياة الدنيا من الخيرات والصالحات.
وقد سبق أن قلنا أن جنة آدم عليه السلام كانت للتكليف والتعريف، وقد مرَّ آنفا بيان التكليف أما التعريف فإن الله عزَّ وجلَّ قد علم آدم الأسماء كلها، وعرفه مسميات هذه الأسماء حتى يكون على علم بكل الحقائق والأشياء التي يتعامل معها سواء في الجنة أو في عالم الدنيا، وكان تعليم الله لآدم عليه السلام عن طريق الإلهام وإلقاء المعاني والمعلومات في نفس آدم وليس عن طريق الملائكة، ولذلك أمره الله أيضًا بأن يعلم الملائكة مما تعلمه من الحق جلَّ جلاله، فكانت جنة آدم دار عمل ودار علم يعمل فيها ما يأمره الله به، ويتعلم فيها ما يعلمه الله له ويُعلم فيه الملائكة عليهم السلام، كما كان أيضًا يُعلم كل ذلك لزوجته حواء عليها السلام والله ورسوله أعلم
منقول من كتاب بريد الى القلوب 
لفضيلة الشخ محمد على سلامة 
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيدسابقا



شارك فى نشر الخير