آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 13 مارس 2016

- اليوم الثالث من أيام الله: يوم الدنيا

- اليوم الثالث من أيام الله: يوم الدنيا
وهذا اليوم يبدأ من تكوين الإنسان من سلالة الطين، ثم نطفة، فعلقة، فمضغة، فعظاماً، فكسوة العظام لحماً، فإنشاءه خلقاً آخر، وذلك بشق السمع والبصر واللسان والأنف، واليدين والرجلين، وما إلى ذلك من المعدة والأمعاء، والكبد والطحال، والقلب والرئتين، والأوردة والشرايين وغيرها. ثم يأذن الله للروح أن تدخل إلى هذا الجسم الذي تكامل خلقه، والسكن الذي تم بنيانه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ثم يولد ويتدرج في طفولته إلى أن يبلغ أشده صبياً، فشاباً، فرجلاً، فكهلاً، فشيخاً كبيرا، ثم تنتهي حياته بعد ذلك.
وهذه اليوم هو عمر الإنسان وحياته، وهو عصره وحظه ونصيبه من الدنيا، وهذا اليوم هو يوم الاختبار والابتلاء من الله بالأوامر والتكاليف والشرائع، وابتلاه فيه كذلك بالمحن والخطوب والأمراض وغيرها، واختباره أيضا في هذا اليوم بالصحة والعافية، والمال والزوجة والأولاد، والشهوات والمتع واللذات.
وهذا اليوم من أخطر الأيام التي يمر بها الإنسان، إذ أنه تتوقف عليه سعادته أو شقاؤه بعد ذلك، وأنه يوم العمل والحركة، يوم الجهد والاجتهاد، ويوم الإيمان والإسلام والإيقان، ويوم يشتد ندم الإنسان عليه أن ضيعه، ويعظم أسفه على فقدان جزء منه من غير فائدة، وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الدنيا بقوله: {الدنيا كسوق انتصب ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر}[1].
وهو يوم يغتر به أهل الغفلة والجهالة، ويغتنمه أهل الذكر والنباهة، وقد أكثر الله من الحديث عن شأن هذا اليوم في القران الكريم، فقال سبحانه: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرض أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾،
والمعنى الإجمالي لهذه الآيات الشريفة: أن الله عزَّ وجلَّ وضح لنا شأن الحياة الدنيا بالنسبة للمفتونين بها والمخدوعين بحبها، وأنها لعب ولهو وزينة وتفاخر بالآباء والقبائل، والعصبية والمناصب، والوظائف والجاه والمنزلة، والأثاث والرياش واللباس والمراكب، والقصور والمزارع وما إلى ذلك، وتكاثر في الأموال والأولاد، يعنى اجتهاد في جمع الأموال وتكثيرها وتكديسها واقتنائها، وكذلك تكاثر في الأولاد يعنى كثرة التزاوج، وكثرة التناسل حتى يكون الإنسان مفاخر ومُدلاً على أقرانه وأنداده بكثرة أولاده وذريته، ومباهيا من كان أقل منه في الأولاد والأموال كما قال الرجل لصاحبه في القرآن الكريم: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾، [34،الكهف].
ثم أراد الحق سبحانه أن يضع بين أيدينا صورة محسوسة، ومثلا مرئيا ملموسا، يقرب لنا به حقيقة الحياة الدنيا، حتى لا تنطلي علينا ولا تخدعنا، فذكر لنا أن شأنها كزرع أعجب الزراع شكله ومنظره، وفرحوا بخضرته ونضرته، وهيجانه وثماره، فإذا به قد اصفر لونه، وذبل عوده، وصار حطاماً متهالكة وهشيماً دارساً. وهذا المثل قد كشف الغطاء عن حقيقة الدنيا لكل عاقل نظر إليها من خلال القرآن الكريم وبيان الله عزَّ وجلَّ لشأنها.
ولذلك يوضح الله أن الذين يعيشون في الدنيا من أجل هذه الأشياء التي مر ذكرها، مخدوعون، ومغرورون بها، فإذا انتهت حياتهم هذه ندموا ندامتين ندامة على ذهابها عنهم إلى غيرهم من الورثة، وضياعها من أيديهم، وندامة على معاناتهم وشقائهم في جمعها من غير فائدة أخذوها من وراء ذلك، ومحاسبة الله لهم على ذلك. وهذا معنى قول الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، ثم أمر الله المؤمنين بالتسابق والمسابقة إلى المغفرة وإلى الجنة. والجنة والمغفرة هما في الحقيقة، التوبة والإنابة والعمل الصالح الذي يؤهل الإنسان لمغفرة الله وجنته، قال صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}[2].
والتسابق هو الإسراع والتعجل حتى لا تضيع الفرصة على المؤمنين، لأن العمر قصير جدا، والمطلوب عظيم جدا. أما قصر العمر فإن الإنسان لا يدري أيدرك الغد أم لا، فهو في شك في بقاءه ساعة أخرى بعد ساعته التي هو فيها. ومن هنا كان العمر قصير جدا. وأما كون المطلوب عظيما جدا. فلأن طلب المؤمن هو المغفرة من الله وجنته ورضوانه. ومن هنا أمرنا الله بالسباق والتسابق نحو تحصيل هذه الخطوة في دار النعيم المقيم.
وتلكم الجنة ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرض﴾، وذلك معناه أن السموات والأرض لاشك في وجودهما، وهما معروضتان أمامنا كما نرى، ونعيش فيهما نستظل بالسماء وننتفع بما فيها، ونمشى على الأرض وننتفع بخيراتها، فكذلك الجنة التي عرضها الله علينا في القران هي حق اليقين لاشك في تسخير السموات والأرض لنا – وذلك مستحيل، لأن عرضهما علينا، وتسخيرهما لنا، من البديهيات التي لا يختلف عليها أحد، ومن المسلمات عند كل الخلق مسلمهم وكافرهم – فإن الجنة بالنسبة للمؤمنين كذلك، والله على كل شيء قدير.
وإن كُمَّل المؤمنين من أهل اليقين، إذا قاموا إلى عمل صالح، وطاعة من الطاعات، وشهدوا أنهم قائمون إلى مغفرة الله وجنته، فتسابقت أعضاؤهم ونواياهم، وعقولهم وقلوبهم ومشاعرهم، كل ذرة فيهم، إلى المغفرة والجنة، إذ أنهم يرون طاعة الله ورسوله هي جنة النعيم فيسارعون إليها. ويرون المعصية هي نار الجحيم فيهربون منها.
وتلك الجنة ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾، وأُعِدَّت يعنى جهزت لهم. وأنها تنتظر قدومهم، بل أنها تسعى في استقبالهم والحفاوة بهم، كما قال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾، [31،ق].
والإيمان بالله ورسله عمل من أعمال القلوب الذي يشرق نوره على الأجسام والجوارح فيشدُّها إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتأسي به في أعماله وأقواله وأحواله، وأخلاقه ومعاملاته وعباداته.
والإيمان والعمل الصالح إنما يكون من الإنسان في فترة وجوده في هذه الدنيا. وبذلك قد انكشف المراد من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾، إلى آخر الآية الشريفة  فاللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر، هي الحياة الدنيئة الرديئة الهابطة الضائعة، وهي عمل لعمارة الدنيا بالحق والعدل والعلم والنفع العام والخاص.
ومن هنا كان يوم الدنيا للمؤمن يوم مغانم ومكاسب، ومنافع وأرباح هائلة، وتحصيل للمكارم والأخلاق العالية، وأن أنفاسه في هذا اليوم أغلى من النفائس والدرر والجواهر، وإنه يبخل بأصغر جزء من عمره أن يضيع في غير فائدة، لأنه يعيش مرة واحدة في كل لحظة من عمره، فهو يعمرها بما يسعده عاجلا وآجلا. وقد قال العارف بالله: (إن الكون رواية تمثيلية تمثل أدوار جد وكمال، وتحوى فصول هزل ونقص وضلال. وأبطال التمثيل قسمان: قسم يدعوا إلى الحق، وآخر يهدي إلى الضلال، فالذين يدعون إلى الحق الأنبياء المرسلون والعلماء العاملون، وأئمة الضلال فرعون وهامان وقارون والنمرود ويؤيد دعواهم إبليس اللعين وكل مغرور بزخارف الدنيا ونسيان يوم الدين)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعمت الدنيا مطية المؤمن للدار الآخرة}[3]. وقال صلى الله عليه وسلم: {الكيس دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني}[4]. والكيس يعنى العاقل، ودان نفسه يعنى حملها المسؤلية وطالبها بالسداد والوفاء، واتهمها دائما بالقصور والتقصير، وحاسبها بصفة مستمرة على لك، حتى لا تطغى عليه، ولا تقهره على معصية الله ورسوله. والعاجز هو الضعيف الجاهل الذي ترك نفسه تتبع هواها وتتمادى فيه، ولم يقو على حبسها ومنعها، فهامت به في أودية الضلال والشهوات، وتاهت به في أفعال السوء والظلم والمعاصي، فأوردته المهالك والأخطار الشديدة، وأخذ يمنيها بالأحلام والأماني الباطلة، ويطلب من الله تحقيق هذه الأحلام والأماني بدون حق: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾، [39،النور]. وهنالك يندم ويتحسر ولا ينفعه الندم ويقول: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، [24،الفجر].
وقد اقسم الله بالعصر، وهو يوم الحياة الدنيا، تبياناً لقدره وأهميته، وتنبيها على شأنه وحرمته وقيمته. فقال سبحانه: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، [1-2،العصر]. والعصر هو عمر الإنسان، والمقسوم عليه هو خسران الإنسان العاجز الغافل الذي لم يدر قيمة عمره وحياته، وأضاعها سدى﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، [3،العصر]. فقد خرجوا من الخسران وغنموا المكاسب العظيمة في عصرهم، فآمنوا واجتهدوا في فعل الخيرات وعمل الصالحات، واستمسكوا بالحق والصبر، ووصى بعضهم بعضا بهما، وعرفوا لعمرهم حقه ومكانته، وانتهزوا فرصته ولم يضيعوا شيئا منه، فطوبى لهم وحسن مآب.
فكم من جأهل مات غما بحسرة، وكم من عالم نال حظا من الخيرات. وان يوم الدنيا ينتهي بالموت. وأسال الله العلي القدير أن يوفقني وإخواني المسلمين في هذا اليوم لما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا وأن يقبل علينا بوجهه الكريم، إنه مجيب الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1]
[2] رواه البخاري عن أبي هريرة.
[3] رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق.
[4] رواه ابن المبارك وأحمد والترمذي والبيهقي في السنن والحاكم في المستدرك عن شداد بن أوس.

منقول من كتاب أيام الله 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامه 
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد سابقا

الاثنين، 7 مارس 2016

عقيدة أهل السنة والجماعة

عقيدة أهل السنة والجماعة
ظهر فى العصر الذى نغيشة فرق كثيرة واختلافات لم تكن عتد سلفنا الصالحفى العقيدة وغير ها من الامور التى تفرق الامة ....... ولكن اخى 
الكريم تركنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء................واليك اخى الكريم عقيدة القران الكريم والسنة المطهرة واجماع العلماء 
كان من فضل الله علينا أيضاً أن أبقى معالم الحق واضحة في هذا الدين في معتقداته وشرائعه، وهدى في كل زمن طائفة التزمت بالحق وأظهرته، وقد قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وقد تمثلت هذه الطائفة في سلف هذه الأمة، من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم من العلماء الذين ساروا على دربهم واهتدوا بهديهم، أمثال الأئمة الأربعة وغيرهم، كـأبي حنيفة و مالك والشافعي و أحمد بن حنبل ، والليث بن سعد و سفيان الثوري و سفيان بن عيينة و البخاري و مسلم و أبي داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة وغيرهم كثير. وحال سلفنا الصالح وأقوالهم وعقيدتهم كل ذلك مدون، وطريقهم ليس فيه خفاء،

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي رحمه الله:
الحمد للّه المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، ذي العرش المجيد ، والبطش الشديد ، الهادي صفوة العبيد ، إلى المنهج الرشيد ، والمسلك السديد ، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد ، بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد ، السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأييد والتسديد ، المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد ، المعرف إياهم أنه في ذاته واحد لا شريك له ، فرد لا مثيل له ، صمد لا ضد له ، منفرد لا ند له وأنه واحد قديم لا أول له ، أزلي لا بداية له ، مستمر الوجود لا آخر له ، أبدي لا نهاية له ، قيوم لا انقطاع له ، دائم لا انصرام له ، لم يزل ولا يزال موصوفاً بنعوت الجلال ، لا يقضى عليه بالانقضاء والانفصال ، بتصرم الآباد وانقراض الآجال ، بل {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} ، وأنه ليس بجسم مصور ، ولا جوهر محدود مقدر ، وأنه لا يماثل الأجسام ، لا في التقدير ولا في قبول الانقسام ، وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ، ولا بعرض ولا تحله الأعراض ، بل لا يماثل موجوداً ، ولا يماثله موجود {ليس كمثله شيء} ولا هو مثل شيء ، وأنه لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات ، وأنه مستو على العرش ، على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش والسماء ، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى ، فوقية

لا تزيده قرباً إلى العرش والسماء ، كما لا تزيده بعداً عن الأرض والثرى ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء ، كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى ، وهو مع ذلك قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد {وهو على كل شيء شهيد} إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، تعالى عن أن يحويه مكان ، كما تقدس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، وأنه بائن عن خلقه بصفاته ، ليس في ذاته سواه ، ولا في سواه ذاته ، وأنه مقدس عن التغير والانتقال ، لا تحله الحوادث ، ولا تعتريه العوارض ، بل لا يزال في نعوت جلاله منزهاً عن الزوال ، وفي صفات كماله مستغنياً عن زيادة الاستكمال ، وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول ، مرئي الذات بالأبصار نعمة منه ولطفاً بالأبرار في دار القرار ، وإتماماً منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم ، وأنه تعالى حي قادر ، جبار قاهر ، لا يعتريه قصور ولا عجز ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يعارضه فناء ولا موت ، وأنه ذو الملك والملكوت ، والعزة والجبروت ، له السلطان والقهر ، والخلق والأمر ، والسماوات مطويات بيمينه ، والخلائق مقهورون في قبضته ، وأنه المنفرد بالخلق والاختراع ، المتوحد بالإيجاد والإبداع.

خلق الخلق وأعمالهم ، وقدر أرزاقهم وآجالهم ، لا يشذ عن قبضته مقدور ، ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور ، لا تحصى مقدوراته ، ولا تتناهى معلوماته ، وأنه عالم بجميع المعلومات ، محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السماوات ، وأنه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويدرك حركة الذر في جو الهواء ويعلم السر وأخفى ، ويطلع على هواجس الضمائر ، وحركات الخواطر ، وخفيات السرائر ، بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفاً به في أزل الآزال ، لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال ، وأنه تعالى مريد للكائنات ، مدبر للحادثات ، فلا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير ، صغير أو كبير ، خير أو شر ، نفع أو ضر ، إيمان أو كفر عرفان أو نكر ، فوز أو خسران ، زيادة أو نقصان ، طاعة أو عصيان ، إلا بقضائه وقدره ، وحكمته ومشيئته ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر ، بل هو المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، لا راد لأمره ، ولا معقب لقضائه ، ولا مهرب لعبد عن معصيته ، إلا بتوفيقه ورحمته ، ولا قوة له على طاعته ، إلا بمشيئته وإرادته ، فلو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك ، وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته ، لم يزل كذلك موصوفاً بها ، مريداً في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله ، من غير تقدم ولا تأخر ، بل وقعت على وفق علمه وإرادته ، من غير تبدل ولا تغير ، دبر الأمور لا بترتيب الأفكار ولا تربص زمان ، فلذلك لم يشغله شأن عن شأن ، وأنه تعالى سميع بصير ، يسمع ويرى ولا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق ، ولا يحجب سمعه بُعد ولا يدفع رؤيته ظلام ، يرى من غير

حدقة وأجفان ، ويسمع من غير أصمخة وآذان ، كما يعلم بغير قلب ، ويبطش بغير جارحة ، ويخلق بغير آلة ، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق ، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق ، وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ، لا يشبه كلام الخلق ، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان ، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله عليهم السلام ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، وأنه مع ذلك قديم ، قائم بذات اللّه تعالى ، لا يقبل الانفصال والافتراق ، بالانتقال إلى القلوب والأوراق ، وأن موسى صلى اللّه عليه وسلم سمع كلام اللّه بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات اللّه تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض.

وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله ، على أحسن الوجوه وأكملها ، وأتمها وأعدلها ، وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته ، لا يقاس عدله بعدل العباد ، إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره ولا يتصور الظلم من اللّه تعالى ، فإنه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً ، فكل ما سواه من إنسٍ وجن ومَلَكٍ وشيطان وسماءٍ وأرض وحيوانٍ ونبات وجماد وجوهرٍ وعَرَض ومدركٍ ومحسوس حادثٌ اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا ، وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا ، إذ كان موجوداً وحده ولم يكن معه غيره ، فأحدث الخلق بعد ذلك إظهاراً لقدرته ، وتحقيقاً لما سبق من إرادته ، ولِمَا حق في الأزل من كلمته ، لا لافتقاره إليه وحاجته ، وأنه متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب ، ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم ، فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان ، إذ كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب ، ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن منه قبيحاً ولا ظلماً ، وأنه عز وجل يُثَبّت عبادَهُ المؤمنين على الطاعات بحكم الكرم والوعد ، لا بحكم الاستحقاق واللزوم ، إذ لا يجب عليه لأحد فعل ، ولا يتصور منه ظلم ، ولا يجب لأحد عليه حق ، وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم السلام ، لا بمجرد العقل ، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة ، فبلّغوا أمره ونهيه ، ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به ، وأنه بعث النبي الأمي القرشي محمداً صلى اللّه عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشريعته الشرائع إلا ما قرره منها ، وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر ، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد ، وهو قول "لا إله إلا اللّه" ما لم تقترن بها شهادة الرسول وهو قولك "محمد رسول اللّه" وألزم الخلق

تصديقه في جميع ما أخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة ، وأنه لا يُقبل إيمانُ عبدٍ حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت ، وأوله سؤال منكر ونكير ، وهما شخصان مهيبان هائلان يقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان له : من ربك وما دينك ومن نبيك ، وهما فتانا القبر وسؤالهما أول فتنة بعد الموت ، وأن يؤمن بعذاب القبر ، وأنه حق ، وحكمه عدل على الجسم والروح على ما يشاء ، وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان ، وصِفَتُهُ في العِظَمِ أنه مثل طبقات السماوات والأرض ، توزن الأعمال بقدرة اللّه تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقاً لتمام العدل ، وتوضع صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند اللّه بفضل اللّه ، وتطرح صحائف السيئات في صورة قبيحة في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل اللّه ، وأن يؤمن بأن الصراط حق ، وهو جسر ممدود على متن جهنم ، أحدّ من السيف وأدق من الشعرة ، تزل عليه أقدام الكافرين بحكم اللّه سبحانه فتهوي بهم إلى النار ، وتثبت عليه أقدام المؤمنين بفضل اللّه فيساقون إلى دار القرار ، وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى اللّه عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، عرضه مسيرة شهر ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، حوله أباريق عددها بعدد نجوم السماء ، فيه ميزابان يصبان فيه من الكوثر ، وأن يؤمن بالحساب ، وتفاوت الناس فيه إلى مناقَش في الحساب ، وإلى مسامح فيه ، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب ، وهم المقربون فيسألُ اللّهُ تعالى من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة ، ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين ، ويسأل المبتدعة عن السنة ، ويسأل المسلمين عن الأعمال ، وأن يؤمن بإخراج المُوَحِّدين من النار بعد الانتقام ، حتى لا يبقى في جهنم مُوَحّدٌ بفضل اللّه

تعالى ، فلا يخلد في النار موحّد ، وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ، ثم سائر المؤمنين ،كل على حسب جاهه ومنزلته عند اللّه تعالى ، ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخْرِجَ بفضل اللّه عز وجل فلا يخلد في النار مؤمن ، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، وأن يعتقد فضل الصحابة رضي اللّه عنهم وترتيبهم ، وأن أفضل الناس بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي اللّه عنهم ، وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم كما أثنى اللّه عز وجل ورسوله صلى اللّه عليه وسلم عليهم أجمعين ، فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار ، فمن اعتقد جميع ذلك موقناً به ، كان من أهل الحق وعصابة السنة ، وفارَقَ رَهْطَ الضلال وحِزْبَ البدعة ، فنسأل اللّه كمال اليقين وحسن الثبات ، لنا ولكافة المسلمين ، برحمته إنه أرحم الراحمين ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، و الحمد لله رب العالمين.

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ
السؤال الحادي عشر: ما هو الفرق بين الجن والشيطان؟.
الجواب:
الجن هو تلك الحقيقة التى خلقها الله من العناصر التى ذكرناها سابقا، وهي النار المسممة والهواء، ونفخ الله فيه من الروح، والجن اسم جنس يندرج تحته أنواع كثيرة منها الشيطان والمارد والعفريت والقرين وأم الصبيان وغيرهم من هذه المخلوقات العجيبة.
وإن الشيطان هو الذى كفر من الجن، وأن المارد هو الذى تمرد بالحرب والعناد والعصيان على الله ورسوله وعلى المؤمنين، وأن العفريت هو الحكيم الماهر من الجن، وأن القرين الذي يقترن بالإنسان من الجن، ويصحبه ولا يفارقه إلى أن يموت، وأن أم الصبيان هي التي تضر الأطفال والحوامل وغيرهم، وعلى ذلك فالشيطان جن كفر بالله ورسوله ودياناته واليوم الاخر.
السؤال الثانى عشر: ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾. [6،الجن].
الجواب:
هذه الآية الشريفة من آيات سورة الجن التي أنزلها الله على رسوله صلى الله علية وسلم يبين فيها أحوال الجن وإسلامهم وإيمانهم بالقرآن المجيد وبرسول الله عليه السلام.
وقد أوضحت هذه الآية أن هناك رجالاً من الإنس يلجأون إلى رجال من الجن ويتحصنون بهم ضد باقى الجن، ويتعوذون بهم من شرورهم وأذاهم، وكانوا يقولون إذا نزلوا بواد أو بمكان قفر: (يا سيد هذا الوادى نعوذ بك من شر ما فيه)، وكانوا يستأذنونه في النزول إلى جواره والاحتماء به من جن هذا المكان وشياطينه وسباعه وآفاته، وهذا العمل لا يسوغ عقلا ولا يجوز شرعا، لأن فصائل الجن لا تترك ابناء جنسها، وتقف بجانب الإنسان، وهو من غير جنسهم، وبينه وبينهم عداوة قديمة من قديم الزمن. من لحظة أن سخر إبليس لعنه الله من أبينا آدم عليه السلام، وأغواه وأخرجه من الجنة، ولذلك يقرر القرآن هذه الحقيقة، ويبين أن الجن ما زال يضحك على الناس الذين يلجأون اليه. ويتحصنون به من إخوانهم الجن، وأنه لم يقف بجوارهم ولم ينصرهم عليهم ولم يحرسهم من شرهم، ولكنه زاد هؤلاء العائذين به رهقًا ونصبًا وعناءً شديدًا، زيادة على ما هم فيه من المخاوف والكروب.
كما أنه لا يجوز أن يستعين مسلم بكافر على محاربة الكفار، لأن هذا الكافر سرعان ما يتغير ويكون شرًا على هذا المسلم، وينقلب عليه لأن الكفر ملة واحدة، فإن هذا الأسلوب شاذ ومحرم.
لكن يجوز أن يستعين المسلم بالكافر في قضاء حوائجه ومصالحه الدنيوية.
وإنني أرجو أن ينتبه إخواني المسلمين إلى هذه الأحكام فإنها دقيقة وحساسة وغاية فى الأهمية، فكم من المسلمين يخلطون بينها، ولا يستبينون الحق من الباطل فيها، ولا الخير من الشر منها وذلك لعدم طلبهم العلم النافع، وان أول شيء يسأل عنه المسلم يوم القيامة هو العلم: فيقول له هل تعلمت أم لا؟.
والحمد لله قد انتشر العلماء بين أظهرنا، ولم يكن هناك حجة لجاهل أو غير متعلم، اللهم ارزقنا العلم النافع، والعمل به يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
السؤال الثالث عشر: هل الرجال والنساء من الجن مثل الرجال والنساء من الإنس؟.
الجواب:
إن عالم الجن لهم رجال من جنسهم، وكذلك لهم نساء من جنسهم، ولهم فروج للذكورة والأنوثة تتناسب مع كيفية خلقهم وطبيعتهم مثل باقى الكائنات الحية، التي خلقها الله وجعل من بينها ذكورًا وإناثًا قال تعالى: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [49،الذاريات]. ولا يلزم أن يكون رجالهم ونسائهم مثل بني آدم في التركيب والصورة والتكوين، فإن صورة الإنسان ميزها الله وكرمها على سائر المخلوقات، وكانت هذه الصورة في أحسن التقويم وفي أجمل التكوين، قال تعالى:﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾. [64،غافر]. وقال الله تعالى:﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. [14،المؤمنون]. وليس الجن كذلك لأنه من مادة غير مادة الإنسان فـ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾. [36،يس].
كتبه
 فضيلة الشيخ محمد على سلامة
من كتابه حوار حول غوامض الجن



شارك فى نشر الخير