آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 28 يناير 2017

- WISDOM OF RELIGION

WISDOM OF RELIGION
We should wonder why a religion is revealed.
A religion is revealed for the goodness of both life and the hereafter. Allah (Glory to Him), as He has power over all things, created man with luminous spiritual powers like the spirit, the heart, the mind, the secret, the hidden and the most hidden, all these are luminous spiritual powers, people don't know anything about these hidden powers in spite of the great progress in sciences and understanding. Allah also gave man an earthly power to walk, move and execute what the divine luminous powers want, it is the body.
If man go in life and separates the connection with his spiritual powers, his life will be like monsters, Allah made them examples for us in life, so when man gets very angry, he imitates monsters in deeds, he hits by his hand like a lion, hits by his head like an ox, kicks by his leg like a donkey or spits by his mouth like a snake. We see him imitates the deeds of these nations of animals; Allah says about them "They (animals) are nations like you." 6-38 Allah made them examples for man. However much good he has and happiness prepared for him by Allah, we see that this behavior and this nature almost dominate him all over his life because he cuts the relation with his abstract and spiritual luminous powers Allah gives him.
So we see disbelievers among people, have no problems about wealth and riches, they even exceeds their needs and they prefer throwing them in the see to giving them to the poor people in the world, because their hearts have no mercy for people. They have no problem about work and unemployment either, so our youths flee to them because of opportunities of labor they have. They have no problem about housing or other things. However they miss hearty happiness and pleasant life, we see that sadness, trouble, schizophrenia, mental and psychological diseases control them, and the greatest proportion of suicide is in those countries.
Why do they commit suicide although they have all the components of this life? This happens because they have no balance between their apparent and hidden powers.




- لن يغلب عسر يسرين .

طبيعة الحياة كدر , يصيب الناس فيها الآلام والمصائب والمشكلات والبلايا يوما بعد يوم حتى إنه لا يكاد امرؤ أن تصفو له حياة في غير كدر .

وتختلف انطباعات الناس وردود أفعالهم تجاه ذلك الكدر , فمنهم من يقنط , ومنهم من ييأس , ومنهم من يبأس , ومنهم من ينكسر , ومنهم من يقعد , ومنهم من يعاق , وكذلك منهم من يقوم من كبوته ويتخذ عثرته دافعا له لخطوة نحو هدفه .

" الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه " , حكمة صحيحة , فما من إنسان يستطيع القيام من كبوته والتغلب علي كدره والصبر على محنته إلا ويخرج منها أقوى مما دخل , فقد صارت الآلام لا تؤلمه وصار الظلام لا يخيفه .

يحكى أن أحد الملوك قد سأل حكيما أن يعلمه جملة يقرؤها إذا كان حزينا سر , وإذا كان مسرورا لم يبالغ في فرح .. فقال له الحكيم : اكتب : "هذا الوقت سوف يمضي " ..

وصدق الحكيم , فإن أوقات الآلام ما تلبث أن تمضي , وساعات المحن عن قريب تنقضي , والعسر ما يلبث أن يصير يسرا , والحزن عما قليل يصبح سعادة وحبورا .

" فإن مع العسر يسرا , إن مع العسر يسرا " , قال السلف الصالح : لن يغلب عسر يسرين .
ومن قديم قال العرب : " الغمرات ثم ينجلنه ثم يذهبن ولا يجنه " ويقصدون بها أن الأزمات عما قليل تنجلي , فإذا ما انجلت , ذهبت أيامها ولم تعد , فكيف إذا يبأس المؤمن من لحظات الآلام وقد علم أنها لحظات اختبار ؟! وكيف ينكسر في مواقف المصائب وقد علم أن ملائكة الرحمن تكتب ردود فعله ؟!

مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وهي تبكي ابنا لها بجوار قبره , فقال لها : اتق الله واصبري , فقالت : إليك عني , إنك لم تصب بمصيبتي - ولم تكن تعرفه - , فقيل لها انه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذهبت إلى بيته ولم تجد عليه بوابين , فقالت : لم أعرفك , قال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ..

إنها قاعدة أخرى جيدة جدا لنا وللجميع عند المصائب والآلام والأحزان , الصبر عند الصدمة الأولى , وفي اللحظة الأولى يتبين الصادق من الدعي .

وكجائزة للصادقين الصابرين علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الدعاء الكريم المبارك إذ قال صلى الله عليه وسلم " ما من عبد تصيبه مصيبه فيقول قدر الله وما شاء فعل اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها , إلا اجره الله فيها وأخلفه خيرا منها " , قال العلماء : إن هذا الدعاء لم يخلف أبدا مع داع دعاه من قلبه بإخلاص , وحكي أهل العلم عنه حكايات طويلة هي في مجموعها جائزة حقيقية لمن صبر عند الصدمة الأولى واسترجع ودعا ربه .

بل إن الصالحين ليقلبون لحظات الألم والكدر رقيا وسموا وروحانية , إنهم يتخذونها لحظات عبودية , فيعلمون أنه لا ينجيهم من مصائبهم إلا الله , وأنه ليس قادرعلى أن يذهب الآلام إلا الله , وإنه ليس بمقدور أحد أن يمنح القوة أمام البلاء إلا الله سبحانه .

فعندئذ عادوا إليه , ولجأوا إليه , فتراهم سجدا , ركعا , بكيا , بين يدي ربهم , يتقربون ويتذللون ويتوبون ويدعون آناء الليل وأطراف النهار .

فتصير لحظات الآلام بالنسبة لهم مطهرة ومنجاة وتوبة وتنقية وتصفية , حتى إن أحدهم كانت تصيبه المصيبة فيبتسم ويُسر ويخرج إلى الناس بثوب حسن وعطر حسن وبسمة تعلو وجهه , شاكرا حامدا .

وكيف إذا لا يصبر المؤمن في لحظات البلاء وعنده ساعات السجود , ودقائق يمرغ وجهه لله ذلا وانكسارا , وهو يعلم أن ربه الرحيم يراه , فيسبغ عليه رحمته , ويرخي عليه ستره الجميل , فيرفع درجته , ويثبت أقدامه , وتمر عليه لحظات الألم فاقده معناها الدنيوي الصعب , مرتدية معناها الأخروي العذب , كيف لا وهو بين يدي ربه الرحيم .

- عودة إلى كتاب الله

ماأفدح الخسارة التي يخسرها من ابتعد عن القرآن الكريم , وما أقسى المعاناة التي يعانيها ذلك الذي هجر كتاب الله سبحانه ولم يعد متواصلا معه ..
خسارة لا يستشعرها إلا أصحاب القلوب الحية , التي لا تزال تنبض بالإيمان , إذ القرآن منهاج الحياة , ومصباح الظلام , ومنير البصائر , ودليل التائه إلى دار السلام .
واصحاب القرآن الذين يعلمون معانيه ومقاصده ويقتربون منه , ويتواصلون معه , ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار , هم الذين قد أعربوا عن هدف ظاهر واضح لحياتهم , وسبيل مستقيم معلوم لمستقبلهم , ورجاء يسعون إليه نصب أعينهم , كما وصفهم الله سبحانه :" " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ "
وهم ولاشك أكثر الناس فهما لمنهج الإسلام , وأكثر الناس إدراكا لماهية الحياة , ولمعاني الآيات التي أمر الله سبحانه أن تتدبر وتتفهم , " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ "

كثير من الناس هجر القرآن وبعد عنه , فجف نبع الخير الذي كان يرتوي منه قلبه , وترك نفسه لماديات الحياة , يتقلب بين براثنها القاتلة , فتلقي به يوما على جنب وآخر على وجهه , يكاد لا يفيق من غيبوبته التي يتناقص معها عمره كل يوم وساعة ..
كثير من الناس اكتفى بسماع بعض آياته اثناء سفره واثناء بداية يومه , والبعض اكتفى بسماع آياته اثناء مروره بالطريق أو وجوده في موقف عابر !
آخرون صاروا لايستمعونه إلا في الجنائز والمآتم وساعات المصاب !

حتى عندما يعودون إلى بيوتهم لا يكلفون أنفسهم عناء نفض التراب الذي تراكم على المصاحف الكريمة المرصوصة على الأرفف
قال سبحانه :" وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "

وقال سبحانه :" ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِّلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾
فإن اليهود قد ورثوا التوراة عن أسلافهم، ولم يلتزموا بما أُخذ عليهم فيها من عهود، على الرغم من قراءتهم لها .

قال القرطبي في تفسيره:وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلاء موجود فينا. فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: " سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت, يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة, يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب, أعمالهم طمع لا يخالطه خوف, إن قصروا قالوا سنبلغ, وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا, إنا لا نشرك بالله شيئا "
اننا في حاجة ماسة لمصالحة مع كتاب الله سبحانه , نستغفر الله سبحانه فيها عن تقصيرنا تجاه القرآن العظيم , ونندم ونتوب من هجره , ونؤوب ونعود إليه , نقرؤه فلا نفتر عنه , ونتدبره فلا نغفل عن معانيه , ونطبقه فلا ننكص عن تطبيق أمره ونهيه , نعود إلى نوره العميم , ونحيا بمنهاجه القويم .

- الاثر النوراني ....لسورة الإخلاص

تمتاز العقيدة الإيمانية في دين الإسلام بشمولها وتعمقها للحياة كلها , وربطها بين طريق الحياة وطريق الآخرة ربطا متينا قويا , واتخاذها التوحيد منطلقا لكل حركاتها وسكناتها ورؤاها .

انها عقيدة تبث في نفس المؤمن التسليم الكامل لله ربه الأحد الصمد , الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد , فحياة المؤمن مرتكزة على التوحيد , مستقيمة بالاستغفار , فالتوحيد يمحو أصل الشرك , والاستغفار يمحو فروعه من المعاصي .
وسورة الإخلاص تجلي المنهج وتوضحه وتوظفه في قلب المؤمن وتثبت أركانه تثبيتا تاما , فمنهج حياتك أيها المؤمن هو توحيدك لربك الواحد الأحد , فالحياة كلها قائمة على التوحيد , والفلاح في الآخرة سببه التوحيد , ومسيرة الكون كله قائمة على التوحيد .
والخسران كله , والارتكاس كله , والخيبة كلها سببها الشرك , فلا غفران له , وهو ضلال كامل , ونكوص تام عن الخير والهدى والصلاح والإصلاح .
فهو سبحانه الله " أحد " , المتفرد بالألوهية لا يشاركه أحد فيها , وهو سبحانه ليس كمثله شىء في السموات والأرض , وهو سبحانه المستحق للعبادة وحده , فالقلوب له مصغية , والسر عنده علانية , والحلال ماأحل والحرام ما حرم , والدين ما شرع سبحانه .

وهو الله الصمد والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات , وهو الذي ليس بأجوف فلا يحتاج الى أحد غيره , يقصده المؤمن في عباداته ورجاءاته ودعائه , ويقصده جميع الكون كله في حوائجه , فلا يقضى الأمر إلا بإذنه , فأهل السماء والأرض كلهم مفتقرون إليه سبحانه في كل شأن من شئونهم تمام الافتقار , يدعونه ويرجونه , فالمعدوم مفتقر في وجوده إليه والموجود مفتقر في شئونه إليه ,  إذ له سبحانه الكمال التام والقدرة المطلقة والقيومية الدائمة على خلقه .
" لم يلد ولم يولد " , تبرؤ تام من مناهج المغضوب عليهم الذين قالوا " عزير بن الله " ولا الضالين , الذين قالوا : " المسيح ابن الله " , فليس له سبحانه ولد ولا والد ولا صاحبة .
" ولم يكن له كفوا أحد " , لا في أسمائه ولا في صفاته, ولا في أفعاله, تبارك وتعالى وتقدس.
إنها سورة إذن توجه القلب والعقل والنفس والروح له سبحانه ولعبادته والتسليم له عز وجل .
وتبث الثقة التامة في قلب المؤمن أنه لا حول ولا قوة إلا به سبحانه , وبأن الكون كله لايملك من أمره شىء إلا بإذن الله .
وأن الاسباب كل الاسباب لابد أن ترد إلى مشيئة الله سبحانه , فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
فهل لقلب بعد ذلك أن يقلق أو يضطرب ؟ وهل لنفس بعد ذلك أن تلفت مسارها لغير ربها , أو أن توجه رغبتها أو رهبتها لغير وعده سبحانه وموعوده ؟!

وهل لعقل بعد ذلك أن يبحث عن منهج غير منهج الله عز وجل , أو شريعة غير شريعته , أو قيم ومبادىء غير تلك التي أرسلها مع رسوله ؟!
مااباس تلك المناهج المنحرفة , تلك التي يبحث فيها المرء عن فلاحه عن طريق طقوس مخترعة , وعبادات منبتّة , فهذا يبحث عن خلاصه في صومعة , وذاك يبحث عن فلاحه في رهبانية , وثالث يرهن نفسه لصنم مصنوع , ورابع تائه يبحث عن لاشىء !!
ألم تبد لهم الحقائق الجلية في كل خلق من حولهم ؟! ألا ينطق الكون كله بوحدانية الله وألوهيته , ألا يدلون بأنفسهم على من خلقهم ؟! " أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون " , ألا تدل السموات والأرض وما فيهن على لزوم عبادته والتوكل عليه والإنابة له سبحانه وتعالى ؟!
إن حياة المؤمن الحقة قائمة على معرفة ربه سبحانه بألوهيته , فلا تصير الحياة حياة إلا بعبوديتها له , وتوكلها عليه , وإنابتها له , ومن خسر ذلك فقد خسر معنى الحياة بأسرها , مهما ظن أنه كسب بعض المتاع الزائل العاجل .
لا عجب بعد ذلك أن نعلم انها سورة توجب الجنة لقارئها (1) ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم بأنها تعدل ثلث القرآن (2) ، وأن حبها يدخل الجنة (3) , وان من قرأها عشر مرات بني له بيت في الجنة (4)

---------------
1-  و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ وَجَبَتْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَبَتْ قَالَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ رواه الإمام أحمد
2- في الحديث :" والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " رواه البخاري
3- عن أنس بن مالك قال(كان رجلٌ من الأنصارِ يؤمهم في مسجد قباءَ ، وكان كلما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ، افتتح(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورةً أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعةٍ ، فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورةَ ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأَ بأخرى ، فأما أن تقرأ بها وأما أن تدَعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركِها ، إن أحببتُم أن أؤمَّكم بذلك فعلتُ ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلِهم وكرهوا أن يؤمهم غيرُه ، فلما أتاهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أخبروه الخبرَ، فقال ( يا فلانُ ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابُك ، وما يحملك على لزوم هذة السورةِ في كل ركعةٍ ) فقال : إني أحبُّها ، فقال : (حبُّك إياها أدخلك الجنةَ))صحيح البخاري
4-  قال صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة . " صحيح الجامع الصغير

الخميس، 26 يناير 2017

- REFORMING LIFE BY RELIGION

REFORMING LIFE BY RELIGION
Thanks to Allah for granting us the grant of belief and for granting us His bounty all over our lives. Grace and peace be upon the guided prophet and the chosen messenger, our master Mohammed, his family, his companions, all those who follow his method, guided by him, directed by his light and upon us all with them, amen ,amen O Lord of the worlds.
Brothers and lovers, God bless you all.
A lot of people say:
Religion and its legislations are only for paradise and the hereafter, but we should reform this life according to our minds, our thoughts, our disciplines and our knowledge. This issue is well known in places where people don't follow the guidance of Allah.
The biggest problem now is that these ideas began to be mentioned in our Islamic societies, some people take the opportunity of the present Muslim conditions to spread these rumors in order to weaken faith in the hearts of believers. So we see the life of a Muslim inside the mosque is something different from his life in streets, markets and outside the mosque. When you see him in the mosque, it is as if you see an angel, quietness, tranquility and submission or pretending so, he seems to be as Allah says:
"Who disobey not the Commands they receive from Allah, but do that which they are commanded." 66-6
When you go out of the mosque, in the streets, at markets or at work, you see virtue stepped aside and a Muslim thinks that vice could achieve his goals, increase his subsistence, reform his conditions and make other people do what he wishes. This duplicity among believers is what made and enabled the western people interfere to weaken faith in hearts of believers.


الأربعاء، 25 يناير 2017

- وأملنا في الله كبير..

المؤمنون بالله سبحانه , يتوكلون عليه , ويكلون أمرهم إليه سبحانه , يأخذون بما استطاعوا من اسباب الحياة , لكن عينهم لا تتحول عن رجاء ربهم , وقلوبهم لا تتزعزع عن الثقة في موعوده سبحانه  .
ومهما تغيرت بهم الأحوال , من قوة إلى ضعف , ومن غنى إلى فقر , ومن عز إلى تواضع , فإن رجاءهم في الله لا يخبو .
يعلمون أنهم مهما تقلبت بهم الحياة فهم في ابتلاء واختبار , وأن وعد الله لا يتخلف , وأن الناجحين في الابتلاء هم المفلحون دنيا وآخرة , وأن الراسبين الذين غرتهم الزينة والزخارف , ما يلبثون إلا ويرحلون , فيختبئون تحت كثبان ترابية أو رملية , عليها شواهد باسمائهم ... ثم هاهي الأسماء بذاتها تندثر !

عادة الإنسان أن يتأثر بما يحيط به , ويكون أسير اللحظة التي تمر به , وقليل منهم من يبسط نظره أمام عينيه فيستبصر ببصيرة شفافة نقية معتمدة على الإيمان إلى مناح خلف هذا المشهد المادي المحيط .
ان لله عز وجل جندا لا يعلمها إلا هو , يدافعون عن المؤمنين بأمر الله سبحانه ومشيئته , فيثبتونهم ويقومون خطوهم .

فعندما ضاق بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الأمر في غار ثور , وخاف صاحبه عليه , وقال " لا تحزن إن الله معنا " .. أنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها .
ووقف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر يدعو ربه ويرجوه ويلح في الدعاء : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعد اليوم " , فأيده الله في بدر بجنود من عنده وثبته حتى انتصر .
وجند الله عز وجل لا يحصون ولا يعدون , بل إن كل شيء من خلق الله يمكن أن يكون من جند الله في نصرة المؤمنين ..
فالريح من جند الله كما أرسلها سبحانه وتعالى من قبل على أقوام عصوا ربهم ..

والماء من جند الله كما أرسله سبحانه طوفانا على الذين طغوا من قبل .. وكما حملت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في القادسية , و العلاء الحضرمي رضي الله عنه في فتح البحرين , وابا مسلم الخولاني في غزو الروم ..
والشمس من جند الله , كما أمسكها على يوشع بن نون عليه السلام حتى فتح له , بل إن بعض الفجار يمكن أن ينصر الله بهم الدين فيكون كيدهم عائد على أنفسهم وأمثالهم فيكيدون به أنفسهم , فإن هذا الدين قد ينصر بالرجل الفاجر .
وأهل الإيمان قد ينافح عنهم الحجر والشجر والجبال والدواب ولكن كل بطريقته , وبطبيعة خلقته ,.

ولو اطلع أهل الإيمان على مسارات القدر عبر الأزمان لبان لهم كيف أن جند الله عز وجل في كل مناح الكون تدافع عنهم وتقف بجانبهم .

ربما تكون الرؤية القاصرة القليلة القريبة توحي لقصير النظر أن هناك هزيمة لأهل الإيمان في موقع ما أو مكان ما أو زمن ما , ولكن حقيقة الأمر أن الله عز وجل يطالب أهل الإيمان دائما بالصبر والثبات وإطاعة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , مهما كانوا في أزمات ومصائب ويبتليهم , حتى يرفع درجاتهم , ويغفر ذنبهم , ويكونون مؤهلين لتنزل الرحمات وحلول الرضوان ...

" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالو حسبنا الله ونعم الوكيل " وبينت الآية أن عاقبة هؤلاء بالبصيرة الصائبة هي عاقبة انتصار ونعمة .

قال سبحانه " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " , بل قد عبرت الآية بهذا التعبير " لم يمسسهم سوء " على الرغم من كونهم تألموا في الصبر , وتألموا في الثبات , وشق عليهم الأمر أياما متتاليات  ..
إلا ان الله عز وجل قال " لم يمسسهم سوء " ... ذلك لأن كل ما مسهم هو خير , فالصبر خير , والابتلاء خير , والثبات على المبادىء خير 

- كيف أتعامل مع المصيبة ؟!

إن الحياة والآخرة في مفهوم الإسلام طريق واحد , فالدنيا مزرعة الآخرة , والبشر يحصدون في آخرتهم ما زرعوا في دنياهم من أعمالهم التي سبقوا بها , فأحسنوا فيها أو أساؤوا ..
كما أن الله سبحانه قد جعل لكل شىء أجلا وميقاتا , فإذا جاء الأجل فلا يستأخر ولا يستقدم .
وهو سبحانه مالك الملك , فالأرض أرضه والعباد عباده , والخلق خلقه , وكلهم يحيون ويموتون بتقديره وأمره .
من هذا المفهوم يجب أن نتلقى أخبار موت الأعزاء والأحباب والمقربين , ويجب أن نقابل مصيبة الموت , فالعاقل الحكيم من تفهم تلك المعاني وسار في ظلها بينما هو تصيبه مصيبة الموت , وقليل العلم , ضيق الآفاق , قليل الحكمة , من ابتعد عنها وراح يتوه في مسارات الهم المظلمة .

فالله سبحانه سمى حادثة الموت " مصيبة الموت " , لما فيها من زلزلة تحدث للإنسان جراء فقد حبيبه , وعزيزه , وإلفه , حتى إنه لا يكاد – لاول وهلة يتصور إمكانية مزاولة الحياة بعده .

لكن الإسلام وصف لنا منهجا نتلقى به تلك المصيبة , وهو منهج بالغ الحكمة والصوابية عميق الأثر , يمَكن المؤمنَ من أن يُقوم نفسه , ويحتمل مصيبته , ويَقوم من جديد ليكمل رسالته .

فالعقيدة الإيمانية هي الاساس الذي ينبني عليه الموقف من حادثة الموت , ونصيحة الإسلام المنهجية في التعامل مع الموت يستفيد منها أكثر ما يستفيد أهل الإيمان والصلاح , لا أهل الغفلة والهوى , فليس كل منصوح بها مطبق لها , إذ تحتاج عقيدة ثابتة في الله سبحانه مالك الملك . من أجل ذلك فمن أراد أن يبلغ أحدا عن تلك المنهجية شيئا فليبدأ معه بتثبيت معاني الاعتقاد أولا .

ثم إن الإسلام يذكر صاحب الحادثة بالأصل الذي يجب عليه أن يرجع إليه فورا عند موت أحبابه , وهوحتمية الموت على الخلق جميعا , وأن الخلق كلهم لامحالة راجعون إلى ربهم , مفارقون لدنياهم إلى آخرتهم , وأن ذلك قد يعجل للبعض وقد يؤخر قليلا لآخرين , وأن هذا التأخير قليل جدا , فعما قليل يجتمع الحلق جميعا عند ربهم .

هذا المعنى الأخير أيضا اساس في تلقي حادثة الموت , بل إنه هو الذي ذكر به أبو بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه عند ذهوله من صدمة خبر موت الرسول صلى الله عليه وسلم فرفع صوته بقوله تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم , ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا , وسيجزي الله الشاكرين " .

وهو ذاته المعنى الذي أكده صلى الله عليه وسلم على ابنته رضي الله عنها , فيروي البخاري أن ابنا لابنته زينب رضي الله عنها كان يحتضر , وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن :" إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فاصبري واحتسبي " .

فالملك لله سبحانه , وهو الذي أعطى وهو الذي يأخذ , وكل شىء عنده بميعاد وميقات .

 كذلك نجد المرأة الصالحة أم سليم رضي الله عنها توصل لزوجها أبي طلحة نفس الفكرة بصورة مبسطة جدا لما مات ابنه الذي يحبه كما أورد مسلم في صحيحه : " قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك .."

لذلك فالطريق الأمثل والأوحد في تلقي مصيبة الموت , هو الصبر , ولا خيار آخر للإنسان , فمن أعرض عن الصبر أكله الهم , وأصابته الانهيارات النفسية , وترسخ فيه الاكتئاب , وقعد عن حياته , ومن استعان بالله وصبر, قواه الله وصبره , كما في الحديث : " من تصبر صبره الله " أخرجه البخاري .

بل إن ذلك الصبر يطالب به المؤمنون من أول لحظة عند وصول نبأ الموت , كما في الحديث :" إنما الصبر عند الصدمة الأولى " متفق عليه .
ويصف القرآن الكريم هذا المشهد الإيماني في تلقي المصيبة , قال سبحانه : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون , أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .
فهم يتلقون النبأ بالصبر , وبمفهوم عقائدي إيماني كما سبق , فكان جزاؤهم أن أعانهم الله سبحانه في صبرهم برحمته وأثنى عليهم .

ثم نبه المنهج التربوي الإسلامي ههنا إلى الرجاء الإيجابي في موقف الموت , وهو تنبيه غاية في العمق والإيجابية , ففي لحظة الموت التي يراها المرء سلبية بكل معنى , يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرجو من الله خيرا , نحتسب لله سبحانه , نسأله أن يعطينا وينعم علينا , ويخلفنا .

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول :  " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، إلا أجره الله من مصيبته ، وأخلف له خيرا منها  "أخرجه مسلم .
بل إن ذلك ممتد , فقد أخرج أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها ، ( قال عباد : قدم عهدها) فيحدث لذلك استرجاعا ، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب " .

ثم إن الباب مفتوح لإيصال الصالحات لمن فارقناهم من الأحباب , ولاستمرار البر والصلة والدعاء .

وبكل حال فالدنيا سريعة الانقضاء , وعما قليل يلحق الحي بالموتى , ويجتمع الجميع في يوم حق , فلا يظنون أنهم لبثوا إلا يوما أو بعض يوم !

- قبورنا .. وقلوبنا

قلب المرء عمود حياته الاساس , وعليه مدار سلوكياته وأفكاره , ونواياه , وخباياه , ومخبوء كل امرىء في قلبه هو حقيقة أمره , ووواقع سره , وصادق ذاته .
لذلك كان أصل الحساب على حقيقة القلب وما نتج منه من عمل , وليس على صورة الجوارح أو ظاهر الجسد , "  إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " أخرجه مسلم , وفي رواية لمسلم " وأعمالكم "

ولذلك أيضا فإن سبب النجاة يوم القيامة من الأهوال والعذاب والاستقرار في النعيم الخالد هو القلب السليم , قال سبحانه :" يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " وهو القلب الذي قد صار صالحا منيرا بنور التوحيد , خاليا من الشبهات والشهوات .

هذا القلب الصالح تمده مادة الإيمان , فلكأنه يتغذى عليها , فتنبت فيه النورانية شيئا فشيئا حتى يصير نورانيا , ويصير العبد عبدا ربانيا , فإن لم تمده مادة الإيمان مدته مادة الفسوق ..

فقد روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: " القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر؛ فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق فهو للغالب عليه منهما "

فقسم حذيفة رضي الله عنه القلوب إلى أربعة أقسام :
 قال: قلب أجرد وهو قلب المؤمن , أي: متجرد مما سوى الله عز وجل، خالٍ مما سوى الله عز وجل، فيه سراج يزهر، يعني: مصباح يضيء، كما قال الله عز وجل: " إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا " , فهو نور في قلب المؤمن يفرق به بين بين الهدى والضلال .

 وقلب أغلف فذلك قلب الكافر: داخل في غلافه لا يخرج منه كفر ولا يدخله إيمان، كما قال عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ "

وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، كما قال عز وجل:" فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا"  , فقلب المنافق كالإناء المنكوس الذي لايستقر فيه شىء , فهو يعرف الحق ولكنه لا ينقاد له ولايرضى به ولايعمل به .

وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو للغالب عليه منهما، وهذا هو القلب المريض الذي هو قلب الكثيرين ، ففيه ما يدعوه إلى الله عز وجل والدار الآخرة وثوابها ، وفيه ما يدعوه إلى الدنيا وعاجلها وزخرفها ومعاصيها وآثامها .

ويقول سبحانه :" وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد , هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ , مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ " , فكان القلب المنيب الذي جاء به المؤمن طريقه لدخول هذه الجنة وهذا النعيم المقيم

والقبر هو أول منازل الآخرة، فبعد الموت وانقطاع الحياة ينتقل الإنسان إلى الآخرة عبر هذا المسار -مسار القبر- ليبدأ الجزاء على الأعمال ، فمن كان محسناً كافأه الله على إحسانه فكان قبره روضة من رياض الجنة، ومن كان مسيئاً عاقبه الله في قبره بتحويله إلى حفرة من حفر النار، ثم يستمر العذاب أو يستمر النعيم فترة البرزخ وهي فترة غيبية ، لا يعرف الإنسان مدتها، إلى أن تقوم الساعة ويبعث الناس من قبورهم، ثم يفصل بينهم في أرض المحشر وينقسمون إلى فريقين: فريقٌ في الجنة وفريق في السعير.

يقول ابن القيم : " حَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ نَعِيمًا وَعَذَابًا، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا "

إن هناك تشابها كبيرا بين حال قبورنا بعد موتنا وحال قلوبنا اثناء حياتنا , فالصالح الذي عاش بقلب نقي سمح لايحمل حقدا ولا غلا ولا بغضاء لأحد , قلب سليم عن الغي والضلال , سيصحبه ذلك القلب ولاشك في قبره , وسيكون حاله كحال ذلك القلب , الذي سينعم من نعم الله عليه , وسيكون قبره روضة من الجنان
وصاحب القلب الحقود الحسود الباغض الماكرالأسود , الذي نافق في حياته , فلم يذق طعم الإيمان الحق , سيصحبه صاحبه في حفرته التي يأتيه منها من سموم النار ومن رائحتها .

إن بأيدينا أن نستعد لإصلاح قبورنا وتنويرها , بإصلاح قلوبنا وتنويرها , وإنما ينير القلب تمام التوحيد , وكثرة الاستغفار والذكر , والسماحة والعفووالصفح والعمل الصالح الخفي .

- الزمن والمتغيرات والحكمة

لاشىء في الكون اسمه الحدوث الفورى واللحظي بحسب رغبة الإنسان .. كل شىء في الكون يحدث بتراتبية وتراكبية عميقة تستغرق وقتا بحساباتنا ، وكي نلحظه يحتاج صبرا وهدوءا وحكمة ..

ليس هناك شىء اسمه العقوبة الفورية ، وليس هناك شىء اسمه الثواب الفوري بحساباتنا نحن البشر .. كله يحتاج صبر وتأن وامتحان واختبار ..

ليس في الكون شىء اسمه تغيير فوري وعاجل لظروف الحياة ، كل شىء يجب أن يمر بالقانون الكوني للمادة والأشياء ،،

حتى في الدعاء والرجاء من الله سبحانه ، فالله سبحانه يسمع كل الدعاء ويستجيبه , أو يأجر عليه أو يؤخره إلى الآخرة حيث الثواب الكبير ، لكنه في استجابته سبحانه يجعل حركة الكون تسير باتجاهه حتى يتحقق .. وهذا فعل القوي المتعال سبحانه ..

هذا ليس معناه أن أمر الله سبحانه لا يتحقق بالفور ، بل أمره يتحقق بمراده وبقوله " كن " .. فيكون " ... لكن الحكمة الإلهية تجعل الأمور تسير في طريق مرسوم حكيم يحتاج ثقة في الحكيم الخبير .

قانون الكون قائم بأمر الله سبحانه ، وجعل له اسبابا ، فمن أخذ بالأسباب فقد اتفق مع عناصر القانون ، لكنه يظل في حاجة ماسة إلى توفيق الله سبحانه .

التأخير الذي نراه في الاستجابة موهوم من جهتنا وليس حقيقيا ، ذلك أن الحكمة الحقة والعدل التام يحتاجان ذلك ، فيختبر المؤمن ويمتحن ، ويمد للمتجبر ويستدرج ، ويمهل العاصي كي يتوب ، ويظهر المنافق ويفضحه ..وهكذا

إذن ، البصيرة النافذة للمؤمن تحتاج أمرين متلازمين ، الصبر والثقة ي الله سبحانه ، وهما اللازمان للقيادة الواعية ، واللازمان لكل راع يرعى قوما ، ولكل داعية يقوم بدور الدعوة إلى الرسالة العظمى .. " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " السجدة

كما أن الزمن في موضع الحكمة ليس كالزمن الذي يرتجيه الإنسان في شكواه ، المرء يحتاج التغيير الفوري ، والحكمة ترى الزمان عنصرا مهما ي بناء قانون العدل .
إذا أردت أن تعرف ذلك على حقيقته فانظر خلفك للحياة بعد وقت وبعد سنين وبعد فترات قد اعتمل فيها قانون الكون ... ستجد كل الوعود متحققة وكل العهود منجزة ..وستقول سبحان الخالق القيوم ..

بالطبع هناك تنفيذات فورية تحصل ومعجزات لحظية تصيب ، يستجيب الله سبحانه فورا لعبيدة المضطرين ، ويعاقب الله فورا بعض عبيده المجترئين .. ولاتزال المواقف والأحداث تدلنا على تلك الاستجابة الفورية ، وقد حكى لنا رسول الله صلى الله ليه وسلم موقف الثلاثة الذين أغلق عليهم باب الغار بصخرة عظيمة فدعوا الله سبحانه بصالح أعمالهم فتحركت الصخرة وخرجوا وانتهت مشكلتهم فورا والحديث أخرجه البخاري .. وكذلك موقف جريج العابد ، كيف استجاب الله له فور صلاته وجعل الطفل الرضيع يتكلم ببراءته ، والحديث أخرجه البخاري ومسلم .. وهذه المواقف لازالت تحدث من حولنا كثيرا لكننا لا ننتبه إليها أو أننا نغفل عنها .. لكنها معجزات قد تحدث في خضم مواقف الحياة تخرق قانون الكون وتحصل بأمر الله تذكيرا وتحذيرا وحكمة بالغة ..

الاستعجال ليس من الحكمة في شىء , وليس موافقا لقانون الحياة ، بل الصبر ، والرضا ، والمثابرة ، والدعاء ، والرجاء ، ..
فيا كل من له رجاء أو أمل ,او مطلب من ربه أو مظلمة أو حاجة ، ثق في الله ، واستعن بالصبر ، وفوض امرك للحي القيوم يحصل مرادك ويدور الكون في فلكك .. ولكنكم تستعجلون ..

- أوهامنا وواقعنا وحقيقتنا

الأمل كلمة تحتاج إلى دعم واقعي حتى تتحقق، لقد عاشت بين فراغات سطور الروايات وحروف أبيات الشعراء الحالمين، إنهم رددوها كثيرًا حتى صارت لا تعني شيئًا إلا الخيال صعب التحقق!
كلهم يتحدثون عن أمل في غد غير مقدور عليه من أحد، وعن تحد لا يملك أحد مقدراته، بل إنهم يتكلمون عن عمر لا يستطيع أحدهم ضمان استمراره ولو لدقائق معدودة!

كلنا يعمه الضعف، كلنا يحتويه الوهن، كلنا يقعده الفيروس غير المرئي والبكتيريا المندسة والميكروبات الحقيرة! أي قوة إذن نمتلكها؟! وأي قدرة نعول عليها في آمالنا المزعومة؟ وأي ضمان نستطيع أن نعطيه حتى لأنفسنا حتى نحدثها عن غد مرجو؟!

إن الأشياء من حولنا أقوى منا بالفعل، أقوى بمراحل كبيرة، الجماد أقوى، الزمن أقوى، الهم أقوى، المرض أقوى، كل ما يحيط بنا يكاد أن يكون أقوى منا، يا للضعف البالغ الذي نعانيه في كل لحظة!

حتى نفوسنا التي بين جنباتنا تتقوى علينا بهواها ورغباتها وشهواتها، حتى نفوسنا تكسرنا فنستذل لها فنجد ذواتنا منهارة أمامها ترتكب القبائح التي ربما ترفضها، وتسكت عن الرذائل التي تعلن أنها تستنكرها، حتى نفوسنا صارت من أعدائنا، فأي حياة يعيشها المرء إذن إذا كان ضعيفا أمام نفسه؟!

أما القلوب، فأمرها أشد وأخطر، ففراغاتها مليئة بمحبة الأشياء الراحلة عادة، وداخلًا تعلق بالظواهر دون الحقائق، فترى كثيرًا من القلوب سهلة التقلب، سريعة التأثر بالانحراف، مستعدة لتشرب الخطأ!
حتى من نحب، ما نلبث أن نفارقهم، أو نختلف معهم، أو نقف عاجزين أمام آلامهم أو محنهم، ويلفنا الصمت المطبق أمام صرخاتهم الجريحة.. يا لها من خيبة عميقة! إنها حياة بئيسة تلك التي نعدها كامل نرتجيه، وضعف مطبق يلفنا لا يكاد يصلح أن نرتجي معه إنجاز شيء نفتخر به!

إنها الآية الربانية الإيمانية العظمى تنادينا بكل معنى من معاني الحياة، إن الرجاء كله يجب أن يكون مع الله، والأمل كله يجب أن يكون في الله. إنها آية لا تبين إلا لمن وثق في الله لا غيره، وأيقن أنه لا حل إلا اللجوء إليه سبحانه، مُتجردًا من أثر الأشياء، وذاهلًا عن أثر الأسباب من حوله، فهو عندئذ مستعد لتلقي معاني الانتصار.
فالغد يشرق توكلا على قادر على إشراقه، فشمسه تجري بأمره، ونوره يسطع بحوله وقدرته، وما دون ذلك فظلام دامس وعمى محيط.. والمرض يتصاغر أمام قدرته العظمى سبحانه، فالطب والدواء يعجز، والقدرة الأسمى تقدر الخير للمريض، فتجد اختيار الأفضل له على كل حال.

والأشياء والجمادات والجبال والأحجار والبحار تسخر لنا من حولنا إن نحن سرنا في منظومة ما يحبه الله ويرضاه، فهو القوى المتعال، فالجبال تسبح، والبحار تخضع، والجمادات تهتز وتتهافت.. الظالمون ينكسرون في طرفة عين بقدرة القوي الأعلى، والمتجبرون يصيرون نسيًا منسيًا، كيف لا والصخور تصير هباءًا منثورًا بأمره سبحانه!

أعمارنا والزمان من حولنا يعنى معان جديدة بعبوديتنا لله سبحانه، فالعمر تحتويه البركة التي تعظم لحظاته، وتعينه على الإنجاز والعمل المتقن، والزمان يصبح له معنى آخر، فكل لحظة لها قيمة، إذ إنها تحسب في ميزان الصالحات، فكل لحظة بمنزلة عليا وعمل صالح وقرب واقتراب.

إنه أمل حقيقي إذن، ليس كذلك المتوهم في كلام الشعراء بعيدًا عن الله سبحانه، ورجاء فعلي موثوق، ليس كما يسطره الضعفاء متعلقين بزخرف زائل، إنه الرجاء في القادر العظيم، والعزيز الحكيم، رب العالمين.

إن الحقيقة العظمى التي يجب أن تدور حولها حياتنا هي حقيقة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فحولنا واهن وقوتنا راحلة، وأجسادنا فانية، وميراثنا منتقل، والأمر كله في النهاية لله سبحانه، فالفناء ينتظرنا، والموت هو المثوى المنتظر لكل متوهم للقوة أو الجبروت، والجميع زائل إلى يوم يقول فيه الجبار: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].
دعني إذن أعيد صياغة العبارات، فالدنيا سوداء مظلمة إلا بنور الهداية الإيمانية، والطرق مسدودة إلا الطريق إلى الإيمان بالله سبحانه، والهموم تعتري الجميع، إلا الملتجئين إلى الرحمن الرحيم، المتوكلين عليه، الآملين في رحمته، الراجين نصرته وتوفيقه وفضله، وهو ذو الفضل العظيم.

- السلبي والإيجابي في تربية الأبناء

كثير منا يفرح ويستبشر إذا وجد من ولده طاعة تامة ، وخضوعا كاملا ، فهو لايرد لأبيه ولا لأمه قولا ، ولا يناقشهم في مطلب ، ولا يجادلهم في وجهة نظر ، بل سائر على الطاعة  كما ارادوا ..!

المعلمون في المدرسة ، يكيلون المديح للطالب الساكت المطيع ، ويرون تميزه , ويقربونه ويغدقون عليه الدرجات .. لأنه مؤدب مهذب !

المربون في حلقة العلم يشكرون كثيرا في الولد ، كونه يستمع الدرس ولا ينبت ببنت شفه ، فلا يسأل ولا يناقش ، ولا يعلق ، بل يحفظ ويقرأ ويظل ساكنا طوال فترة الحلقة والدرس !

على جانب آخر ، فإن زميلا له ، يتلقى يوميا النقد والصرخات بل والضرب من أبيه ومعلمه بسبب كونه مجادل مناقش ، سؤول متحدث ، له رؤيته الخاصة ، وتعبيراته التي قد تكون مخالفة لوجهة نظر المعلم أو لما سمح به الاب !
الحقيقة أن هذا الوصف بهكذا حال ليس دائما يوصلنا لشخصية تربوية ناجحة متميزة في المستقبل ..!
إننا نمارس نوعا من كتم شخصية ابنائنا تدريجيا ، ونوعا من سحق تميزهم ، وتكبيل قدراتهم عن طرق فرض الطاعة عليهم فرضا ، وإجبارهم على قبول اختياراتنا , ورؤيتنا , ووجهة نظرنا للاشياء .

قد يصل الحال إلى الأمور الشخصية للابناء ، فنجبرهم على ملابس معينة وطعام معين ، وهكذا  .. في حين أن الصواب متسع والخير متسع والمقبول والصالح يمكن تعدد رؤاه بغير مستنكر شرعي ولا عرفي ولا أخلاقي ..

إن نفسية الأبناء أشبه بالفرس الجامح ، لو ترك تماما فسيصير وحشيا لا ينتفع به ، لكنه كذلك لو قهر وسحق لم يصلح للنزال ولا للسباق , فقط يصلح في جر العربات !  .. فيجب ترويضه ترويضا يبقى شخصيته وسماته وتميزه وتفرده واعتزازه بقيمه ومبادئه

يجب ان نبني في ابنائنا الشخصية المستقلة والقدرة على اتخاذ القرار في المواقف ونتركهم ينمون تلك القدرة بل ونعينهم على تحمل المسئولية والقرار عبر مواقف متدرجة .

إن الطاعة للآباء والمربين شىء حسن جيد بالعموم ، ويدل على نفسية لينة مهذبة خلوقة  ، لكن المبالغة فيها نذير سلبي ، وسعينا للضغط على الأبناء ليصيروا كعجينة في ايدينا خطا تربوي وسبب في مستقبل ملىء بالمشكلات .

كذلك فهناك خطورة كبيرة على ابنائنا إذا ربيناهم على الطاعة العمياء ، فيسهل التأثير عليهم بالأفكار السلبية جميعها , فأسلوب سحق الشخصية يستخدمه المنصرون وغيرهم في تربية الصغار في دورهم سواء أكانوا لاجئين أو أيتاما او محتاجين فلا يبقون لديهم اختيار او رؤية او قوة ارادة

إن علينا كمربين أن نشجع ابناءنا على بناء شخصيتهم الذاتية لا أن نسحقها .
فكثير من المربين يسحق شخصية المتربي رجاء أن يبني في داخله الشخصية التي يريدها منه , وفي غالب الأحيان فإنه يفشل في تكوين شخصية أخرى , لأنه يكون قد تسبب في مرض مزمن للمتربي هو مرض فقدان الثقة !
قمع شخصية الأبناء وسحقها لايكون فقط عن طريق الضرب والتهديد بالأذى , لكنه يكون بطرق أخرى كثيرة قد نغفل عنها مثل إرغام الأبناء على عدم الاختيار , وتوكيل غيرهم ليختار لهم كل شىء , وتسفيه رأيهم , وعدم إشراكهم في المناقشات , وعدم تقديرهم عند الإنجاز مع كثرة النقد واللوم وغير ذلك .

كذلك فهناك قاتل بطىء يستخدمه بعض المربين ليقتل كل كفاءة ونبوغ في متربيه سواء أتعمد ذلك أو لم يتعمده , ذلك القاتل للشخصية هو الإهمال , الإهمال الذي يتسبب في أمراض لا تحصى للأبناء منذ صغرهم قد تبدأ بالصراخ والعصبية عند كل موقف , وبالتبول اللاإرادي ومثاله , وتنتهي بسلوك الإجرام والانحراف !
إن واجبنا هو بيان الطريق الصائب وتعليم الأبناء كيفية السير فيه مع تبيين الصواب والخطأ لهم , وبناء القيم الإيمانية والتطبيقية العليا , وتكوين نموذج القدوة , ثم علينا أن نترك لشخصياتهم حرية التصرف لتطبيق ما تعلموه في إطار الصواب تحت ظل متابعة منا وتقويم ذكي وبناء , ونترك لهم حرية تكوين شخصياتهم الايجابية وتميزها بميزات مختلفة , لا أن نرغمهم على طرائق السلوك وأنواع الاختيار وأساليب التصرف ودقائق الحياة , فكل منهم له ميزاته وله قدراته الخاصة به , وله ميوله النفسي في إطار الصواب ايضا وله اسلوب تفكيره تجاه الأشياء والمواقف والحياة من حوله ..

- حياة الخوف والقلق والترقب

إنها حياة صعبة مؤلمة ، تلك التي تعيشها بين خوف وقلق وترقب ، وكأنك ممسك بشىء ثمين بين يديك وتسير في طريق يكتنفه اللصوص على الجانبين ، وأنت تسير قلقا مهزوزا ، مترقبا ، غير واثق ، ينخلع قلبك مع كل صيحة ، ويتزلزل صدرك مع كل هبة ريحح ،، قد فقدت السكينة ، وفارقتك الطمأنينة ، وغاب عنك الهدوء وراحة البال !
منهجنا الإيماني الرائع يدعونا لشىء آخر ، وصفة مغايرة ، نتخلى فيها عن الفزع والقلق ، والخوف من تقلبات أحوال الحياة .
إنه يدعونا إلى السكينة والطمأنينة ، وهما نعمتان ينعم بهما الله سبحانه على أحبائه الذين آمنوا.

فأما الطمأنينة: فهي سكون القلب المؤمن وهدوؤه ، قال الله سبحانه: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب "

والطمأنينة إذا سكنت في القلب فاضت على نفس المؤمن الصالح وعمتها جميعها، فأدبتها وهذبتها ورققتها، فصارت نفسه نفسًا مطمئنة.

وأما السكينة: فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، وهي نعمة ينعم الله بها على عباده عند الخوف والمصائب والبلايا ، ورداء ينزل فيثبِّت القلوب المترددة ، ويهدِّئ الانفعالات المتوترة ،

قال الله تعالى: " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.."

وقال تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها .."

وقال الإمام ابن القيم: "وكان شيخ الإسلام إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكون القلب وطمانينته" المدارج

وقد تجتمع السكينة والطمأنينة في قلب المؤمن الصالح، فيالها من ساعة تمر على المؤمن، فلا خوف ولا قلق ولا انزعاج ولا ضجر، ولكن برد وسلام وإن تزلزت الدنيا بأهلها وتهدمت القصور بأصحابها..

 فهو ساكن مطمئن مع ربه جل جلاله، لا يخاف قلبه بل لا تهتز شعرة منه ، وكيف لا وهو مطمئن بربه سبحانه معتمد عليه ساكن إليه، فإذا تعرض للابتلاء والاختبار وهو ساكن مطمئن، مر عليه بلاؤه وثبت فيه واستشعر حلاوة الطاعة فيه ورآه نعمة من ربه.

فعلينا رفع الأكف إلى الله سبحانه ندعوه ونرجوه أن ينعم علينا بنعمة السكينة والطمأنينة، وأن يُقر أعيننا بهما، ويثبت قلوبنا بهما، وأن يجعلهما لنا دافعًا على العمل لدينه ليل نهار.

- علاج الفتور في الوحدة

يشكو بعض الطيبين كونه لايستطيع الانتظام في عمل الخير إلا وهو في صحبة خير صالحة ، فهم الذين تحلو الصحبة معهم ، فيأمرونه بالمعروف ويذكرونه بالله ، ويشجعونه على الصالحات .
لكنه يقول إنه في كثير من الأحيان ينكر نفسه إذا بعد عنهم ، حتى تثقل عليه تلك الأعمال التي تسهل عليه معهم .
وتلكم شكوى متكررة للكثيرين ، حتى إنه ليرتبط بصحبته في كثير من أعماله ، فإن كان معهم انخرط معهم فيها وإلا فتثقل عليه .
وسبب هذه الشكوى بالأساس خطأ في الأداء التربوي لتلك الصحبة وهذا المحضن التربوي ، الذي عودهم ألا تتم تلك الأعمال إلا في صحبة .

وعلى الرغم من الأثر الطيب للصحبة في مثل تلك الأعمال ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حفز المؤمنين على تعويد النفوس على أدائها في حالة الوحدة أكثر مما عودهم على أدائها في حالة الصحبة ، بحثا عن الإخلاص والتجرد ..

بل إن العلاج الذي نصفه لهذه الشكوى , شكوى الغفلة بعيدا عن صحبة الصلاح , هو تعويد النفس على خبيئة العمل الصالح , نعم , يعني أن تجعل لنفسك عملا صالحا تخبؤه بينك وبين ربك , لا يطلع عليه أحد ..

أن هذا العمل هو داعمك في سرك , ولعل الله أن يحفظ وحدتك وسرك كما حفظت عملك الصالح مختبئا بإخلاصه بعيدا عن رؤية الناس , فلم ترج منه إلا رضا الله سبحانه مخلصا له

يقول الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ " , إنه رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر, فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضًا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال أيوب السختياني : لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره وقال : والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه
إن سبب الغفلة في الوحدة أمران , أولهما ضعف النفس أمام هواها والشيطان , والثاني عدم المعونة على الطاعة , والسببان يبعدان بالعمل في الخفاء .

 فمن عود نفسه إخفاء العمل لم يجد الشيطان لقلبه طريقا , ومن تعوده لم يفتقد الصحبة فيه إذ إنه قد تعوده وسكنت نفسه إليه , فسواء عليه أدعاه الناس أم نسوه وسواء عليه أن يكون بين الجموع أو يكون مع نفسه , فهو طائع على كل حال , بل إنه لينشط أكثر إذا كان وحدة إذ إن هناك عبادات كثيرة لن يقوم بها إلا في وحدته بعيدا عن عيون الناس ..
 قال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله , وقال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح
إنها إذن ميزة أخرى لخبيئة العمل نغفل عنها , ألا وهي طرد حب الشهرة والمعرفة بين الناس , ولاشك أن حب الشهرة مفسد لقلوب الصالحين , وخصوصا إذا كانوا دعاة أو علماء , قال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
وقال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه ،  وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك, ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة

الثلاثاء، 24 يناير 2017

- الصلاة معراج المؤمن

الصلاة معراج المؤمن، ودليله النوراني وبُراقه، وسـفينة السـائرين من أصحاب الإيمان وطائرتهم، وأقرب المنازل والديار لعوالم وراء هذه الدنيا للسائرين الذين يبتغون الوصال ويبتغون القرب، وآخر خيمة لهم، وأقرب الوسائل لبلوغ الغاية والمرام.
لكي يكون الإنسان في يوم القيامة أبيض الناصية، نوراني البصر، يتقدم على الآخرين بالأمارات الموجودة على أعضائه نتيجة الوضـوء والسجود، بأيدٍ نقية، ووجـوه طاهرة، بضمائر نـزيهة مثل العالم الداخلي لأهـل السماء... لكي يتحقق كل هذا فعليه بالصلاة وبالأعمال الصالحة قبلها. وفي الوقت نفسه نستطيع أن نطلق على عبادة الصلاة -التي هي الاسم الآخر والعنوان الآخر للقرب من الله والتي تملك أعماقا مختلفة- اسم "الرباط" الذي يعني الاستغراق في فكر العبودية لله طوال العمر

الاثنين، 23 يناير 2017

- RIGHTEOUS PEOPLE AND HARD WORK

RIGHTEOUS PEOPLE AND HARD WORK
Allah praised Imam Ali (may Allah be pleased with him and honor his face) to know that this is what Allah loves, when he and his wife Sayeda Fatima Az'zahraa vowed that they will fast three days for Allah if their sons Al-Hassan and Al-Hussein are recovered from illness, Allah sent them when they were fasting the three days guests who eat their food at sunset (the time of breaking fasting), so Allah says about this:
"And they give food, in spite of their love for it (or for the love of Him), to Miskeen (poor), the orphan, and the captive." (Surat Al-Insan, verse 8)
Then Allah showed the secret of loving their deed in their words:
"(Saying): We feed you seeking Allah's Countenance only. We wish for no reward, nor thanks from you." 76-9
Our master Ali used to work by his arms for wage, Islam urges this, a Muslim should work; the prophet encouraged him to do this. One day he worked for a Jewish woman, she had a well and she wanted to irrigate her land, so she called our master Ali to irrigate it and she told him that she would give him a date for every bucket he got out of the well, the well was deep, the water was far and the rope was harsh. Our master Ali got fifteen buckets and took fifteen dates and went to Sayeda Fatima, then the messenger of Allah entered, he praised him and asked him to give him from these dates he got by the labor of his hand.
It was narrated that the messenger of Allah said:
"No man ate food better than eating from his hand's labor and David the prophet of Allah was eating by his hand's labor." 1
Our youths now want to find treasures, they resort to thieves and swindlers who take their money and suddenly escape leaving everything as it is. Where are the treasures? This is cheat and theft. This happens because every one of our youths wants to be a millionaire in a moment, how come?
You should follow the way of truthful and righteous people and those who strive hard everywhere.
1- Narrated by Al-Bokharey in As'sahih by Mekdam Ibn Ma'd Yakreb


الأحد، 22 يناير 2017

- من أخطاء الحياة كثرة الأصدقاء

يحتاج كل واحد منا إلى أصدقاء صادقين أوفياء , يصحبونه في حياته , فيضربون معه المثل النموذجي الرائع في الصداقة والعطاء ..
فما أحسن الحياة بين الاصدقاء المخلصين الأنقياء , الذين لا تحتاج معهم أن تتزين أو تتجمل , أو تجامل , أو تبالغ , بل تكون معهم طبيعيا , معتادا كما أنت مع نفسك .
لكن طبيعة الحياة علمتنا أن هذا الصنف من الأصدقاء نادر عزيز , كالذهب الإبريز , لايسهل الحصول عليه , وإن كان فهم قلة قليلة  .

يحكي البسطاء ان أبا أراد تعليم ابنه الشاب ذلك الدرس فدخل عليه بين جمع كبير من اصحابه فقال لهم ماذا لو كان ولدي هذا مريضا بمرض معد ؟! فما لبث أصدقاؤه أن خرجوا من البيت واحدا تلو الآخر , ثم صحب الاب ابنه لى أحد أصدقاء الاب فقال له ماذا لو علمت أني صرت مريضا بمرض معد ؟ فقال صديقه فهيا بنا إذن إلى طبيب فورا , واطمئن فعملك أقوم به دونك وابناؤك في رعايتي حتى يشفيك الله ..!

ربما يكون هؤلاء الاصدقاء حدثاء الاسنان لا يحكم عليهم بالمواقف , وربا يكون الموقف بسيطا , لكن المغزى واضح والدرس بين ظاهر .

إن العبرة ليست بكثرتهم إنما العبرة بصدقهم , ووفائهم , وعطائهم , وخلقهم الإيماني , فصديق واحد يتصف بتلك الصفات خير من مائة من غيره ممن صداقتهم هي قضاء أوقات , وصحبة غفلة , وبحث عن مصالح ذاتية .
إن مغرمة كثرة الأصدقاء كبيرة , والقدرة على القيام بحقوقهم شاقة , ومفلتة للأوقات , ومكسبة للهموم , ومضيعة للإنجازات , يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه : " كثرة الأصدقاء كثرة الغرماء "

كثير من شبابنا يعتقد أن كثرة علاقات الصداقة شىء إيجابي محمود , ويرى ذلك دليلا على كونه محبوبا مرغوبا في صحبته .

للأسف هذه الرغبة في التواجد بين كثير من الأصدقاء قد تدفع الشاب إلى التأثر بعادات وتقاليد سلبية , حيث يرى نفسه وسط موجة لا قدرة له على التحكم في حركتها , ولا أثر له في توجيهها , فيضطر للسير معهم , وربما يؤثر ذلك السير في فكره وقناعاته ايضا .
إن علينا أن نعلم ابناءنا ألا يجعلوا اهتمامهم التعرف على أصدقاء جدد , بقدر ما يجعلونه حسن اختيار الصديق وتوثيق المعرفة به , والتعاون معه على البر والتقوى والصلاح والصلاح , وتبادل الخير والنفع , والمساعدة والتعاضد على الإنجاز والترقي والتقدم وتحقيق الطموح .

علينا أن نعلمهم أنه ليس كل من تراه حولك هم اصدقاء حقيقيين , بل إن غالبهم هامشي , ظاهري , ليس راسخا في صداقته ولا عميقا في قيم الصداقة .
قد يتضح لك المعنى أكثر إن أنت أجبت على سؤال يقول : لماذا ينتشر هذا الشعور بين الشباب ويقل بين الكبار ؟!
هل لأن الكبار قد كشفوا الحقيقة وفهموا الدرس ؟ أم لأن الأصدقاء منهم قد انغلق على نفسه واكتفى بأهله وبنيه وخاصة حاله ؟ أم أنه لم يعد قادرا على المغامرة ؟!

يقول ابن حزم :
" ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء ، فإن ذلك فضيلة تامة متركبة ؛ لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم ، والجود ، والصبر ، والوفاء .. والعفة ... وتعليم العلم ، وبكل حالة محمودة . ولسنا نعني .. الأتباع أيام الحرمة ، فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء ، والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك. ودليل ذلك انحرافهم عند انحراف الدنيا. ولا نعني أيضاً المصادقين لبعض الأطماع ، .. والمتآلفين على النيل من أعراض الناس ، والأخذ في الفضول ، وما لا فائدة فيه ؛ فليس هؤلاء أصدقاء. ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض ، وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم ، وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل ، إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية ، وإما لنفس المحبة المجردة فقط. ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم ، وصعوبة الحال في إرضائهم ، والغرر في مشاركتهم ، وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم ، فإن غدرت بهم أو أسلمتهم ، لؤمت وذممت ، وإن وفيت ؛ أضررت بنفسك ، وربما هلكت ، وهذا لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة . وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم ؛ كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم. .. " مداواة النفوس

لاشك أن هناك فارقا بين المعارف والأصدقاء , ولاشك كذلك أن الأصدقاء درجات ومستويات , ولاشك كذلك أن هناك أعمالا تحتاج إلى صداقة الناس وصحبتهم , كحال الداعية أو المربي أو المعلم أو مثاله , لكن حتى هؤلاء لايجب أن يقربوا منهم الكثرة من الأصدقاء , بل عليهم تقسيم الناس إلى دوائر واقسام , وعليهم أن يختاروا في الدائرة القريبة منهم – كاصدقاء - أكرم الناس وأوفاهم وأخلصهم وأحكمهم واتقاهم لله سبحانه .

- من أخطاء الحياة كثرة الخلطة بالناس ..

لم أتعلم من لحظات في حياتي تعلمي من لحظات الخلوة , ولم أنعم بلذة  كنعيمي بلذة الخلوة , ولم أحب شيئا من أوقاتي حبي للخلوة ..
ليس ذلك ابدا لمحبتي اعتزال الناس , ولا لمحبتي الانطواء عن الاجتماع , ولا رغبة مني في عدم مشاركة الأعمال , ولا كراهية في المحيطين بي ..أبدا
وإنما لأني وجدت في الخلوة راحة لا مثيل لها من قيل وقال , وكثرة السؤال , وطول الجدال , واللجاج والمراء وسفسطائية السؤال !

ولأني وجدت فيها لذة ذكر الله سبحانه , والفرصة في تدبر كلام الله , والسعة في التنعم بنعيم دعائه عز وجل , وراحة القلب في مناجاة الرحمن الرحيم .
وجدت فيها إنجاز الأعمال , والقدرة على التركيز فيما أنا بصدده من الأهداف , والمساحة الممكنة في التمعن في الوسائل والسبل , واتقاء الحيل .
ولقيت فيها دقائق ثمينة لمراجعة الذات , ومحاسبة النفس , والتبصر بالطريق , والحذر من المعوقات , وتصفية الاصدقاء الأقربين من هؤلاء الذين يكفيهم مني المعرفة العامة .
وفي الخلوة هيئت لي الفرصة للتعلم , فقرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , والفرصة لتفهم معانيه , ومصافحة العلماء , ومجالسة العباقرة الأقدمين الذين تركوا لنا في الكتب كنوزا ثمينة .

قال الفضيل : ما أجد لذة ولا راحة ولا قرة عين إلا حين أخلو بربي .
وقيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : " أجلس مع الصحابة والتابعين ، أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس ".

وقال الحسن البصري حينما سئل : ما بال أهل الليل على وجوههم نور ؟ , قال : لأنهم خلوا بربهم فألبسهم من نوره رضاه .

وليست الخلوة التي أريدها انقطاع المرء عن الحياة ولا الانطواء عن الخلق , بل هي أوقات مقتطعة من اليوم , يخلو فيها المؤمن بنفسه , يتفكر ويتعلم ويتعبد ويحاسبها , بعد أن  يؤدي واجباته وحقوق من يعول , وحقوق من له حق عليه .

وإن من الخلوة أوقات صلاة السنن الرواتب في البيوت , ووقت الليل الآخر , الذي ينزل الله سبحانه فيه إلى السماء الدنيا , فيقول هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له .
وإن منها أوقات الاعتكاف , وأوقات تدبر كتاب الله وقراءته ومراجعته , وأوقات التفكر في خلق الله سبحانه وعظمته , وغيرها ..

انها انقطاعٌ عن البشر لفترة محدودة وتركٌ للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، وتستريح النفس من المشاغل الدائمة .

وهذه الخلوة التي أتحدث عنها , هي خلوة صحيحة لنفع النفس والقرب من الله بالعلم والتعلم والمدارسة والإنجاز , وليست خلوة كخلوة الصوفية التي يتحدثون عنها في كتبهم ويجعلونها من اصول السلوك  , تلك التي يدع المرء فيها الاكتساب والعمل , ويهمل في صلاة الجماعة , ويدع الدعوة إلى الله , وحضور دروس العلم , فتلك لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته , ولم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.

إنما الخلوة التي اقصدها هي خلوة يستغني فيها المرء عن الانشغال بالناس وذهاب الأوقات , إلا فيما هو نافع صالح , من اكتساب الثواب , وتعلم العلم , والتعاون على الخير والبر والتقوى , وإعانة المحتاج , ودعوة الناس , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والصداقة الآمرة بالهدى , ويحضر المرء فيها الجمعة والجماعات , ويعود المرضى , ويختلط بالعلماء وينتظم في دروس العلم ويحضر مجتمعات الخير
إن من السلف من آثر اعتزال الناس على مخالطتهم وفضلها لفوائدها: كالمواظبة على العبادة والمساعدة على التدبر والتفكر والتعلم، والتخلص من ارتكاب المعاصي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة مع الناس كالرياء والغيبة والتنازع والشجار والصراع والسباق على الدنيا والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتأثر بذوي الأخلاق الخبيثة والأعمال الرديئة.

وأما أكثر السلف فذهبوا إلى استحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان بشرط أن يكون ذلك تعاونًا على البر والتقوى وليس فيه أي نوع من الذنوب والمعاصي والآثام أو الاشتغال بالهوى أو اللهو أو ما شابهه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتًا وتفرقًا، وهمًا وغمًا، وضعفًا، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟ هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة؟ وأنزلت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس؟"
ثم قال: "والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير، كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والنصيحة والجهاد، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات"
وبالعموم فالواجب على المسلم أن تكون اوقاته للصالحات والمنافع وأداء الحقوق والواجبات , ولنفع نفسه بالعلم والعبودية ولنفع أمته بالدعوة إلى الله والارتقاء بأمته في مختلف الميادين، ولأجل فعل ذلك ينبغي عليه ألا يكون مشوشًا أو محل وسوسة أو غفلة أو شهوة، فلذلك يجب أن يخلو إلى ربه سبحانه في أوقات كثيرة ليمنع ذلك عن نفسه، فالقلب ما لم يجتمع على الله تجره خواطره إلى ميادين مختلفة، فتجده مشدودًا إلى ميادين شتى إلا ميدان الإيمان، فلا شيء ينفع القلب مثل خلوته بربه وعزلته عن الناس وقتًا من يومه ومناجاته إياه وبكائه بين يديه.
وعن سعد بن أبي وقاص س قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " مسلم
وروى الخطابي قول أبي الدرداء رضي الله عنه : "نعم صومعة الرجل بيته؛ يكف سمعه وبصره ودينه وعرضه، وإياكم والجلوس في الأسواق فإنها تلهي وتلغي".
وقال الخطابي : "إنما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته وعدم الفضيلة من نفسه، فتكثر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة بالكون معهم، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويتفرغ لاستخراج الحكمة"

- من أخطاء الحياة سرعة الحكم على الناس

العزة كل العزة في طاعة الله سبحانه وتوحيده، والقرب إليه، وابتغاء رضاه، والسعي في مرضاته، والتذلل له، والخضوع والخشوع، والإنابة إليه عز وجل.
والمهانة كل المهانة في معصية الله سبحانه والشرك به، والمجاهرة بالآثام، وارتكاب المنهيات والمعاصي، ونسيان الحساب، والانكباب على الفانية، والغفلة عن الباقية.
فالمرء المهان يبذل قصارى جهده في حياته ليستشعر السعادة ولا يجدها، وغاية ما يجده سراب ولذة دقائق مؤقتة تكون بعدها الحسرة والندم، فيجمع المال ليلبي حاجاته ولا يبالي من أين جمع، ويسعى للكسب ولا يبالي كيف الوسيلة، ويلف نفسه بملأ خرب, ويظل يجمع من دنياه ما يمكنه، ويحلم أن يجمع ما لا يمكنه، لا يردعه خوف من ربه، ولا يثنيه تذكر اليوم الآخر!.
لكنه، وبينما هو يجمع ويجمع، ويحلم ويحلم، باحثًا عن السعادة المفقودة، واغلًا في حمأة الغفلة، يأتيه أجله، فيكون الخسران كل الخسران، والحسرة كل الحسرة، فلا سعادة ولا راحة، ولا مال ولا بنون، ولا مستقبل ولا أمل .. وإنما الحساب والجزاء والندم .. ولات حين مندم !.
يموت، كأي شيء يموت، فيستريح منه الحجر والشجر والدواب.... كما في الحديث، ويترك ميراثه مما جمعه ليملكه آخرون، وما إن تمر أيام قليلات إلا ويصير طي النسيان، ويلقى جزاء عادلًا موفورًا.
ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: (مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابّ).
لا شيء سيكون وفيًا له في هذه الحياة التي صارع عليها، حتى أقرب المقربين منه، يصبح همهم ميراثه، ويصبح موته لهم سعادة وفرحة!.
لقد عاش حياته مهانًا إهانة فعلية، بكل المعاني، فقد أهان نفسه ببعده عن ربه، وأهان جسده بغفلته عن العبودية وسقوطه في الإثم، وأهان عقله بإهماله غذاءه الحق من العلم والقرآن والخير، وأهان أسرته والمقربين منه بعدم نصحهم، وعدم تعليمهم الخير، وأهان حياته بإنفاقها فيما لا ينفعها بل يضرها.
إن من عقوبات الذنوب أنه سبحانه أركس أربابها بما كسبوا، وغطى على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم وأهانهم : {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم؟!.
إن مشهد توديعه لدنياه ليمثل قمة المهانة، فعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: (كَانَ النَّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَملَهَا الرِّجَالُ عَلى أَعنَاقِهِمْ، فَإنْ كَانتْ صَالحةً، قالتْ: قَدِّمُوني، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ لأهْلِهَا: يَاوَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الإنسانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنْسَانُ، لَصَعِقَ) رواه البخاري.
ثم تأتيه المهانة الكبرى يوم القيامة، قال سبحانه: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}.[فصلت: 19-23].

- فن النفوس الطاهرة

كثيرة هي نماذج العطاء فيما بيننا , كثيرون هم الذين يضربون نماذج متفردة في تقديم جهدهم وأوقاتهم وأموالهم من أجل إسعاد الآخرين .
هذا العطاء هو ماسميته فيما قبل ب" فن النفوس الطاهرة " , يعني كيفية إدخال السرور على الناس , وكيفية تجفيف دموعهم , وكيفية رسم الابتسامة على وجوههم بدلا من تجاعيد الألم ..
هذا العطاء لا مثيل له في الأعمال الصالحة , فهو كما في الحديث :" أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم " البيهقي وحسنه الألباني ..
إنها مشاعر سامية تلك التي يستشعرها المرء عندما يسعد الآخرين أو يشارك في إسعادهم أو تخفيف آلامهم ..سعادة لا تحس بها إلا النفوس الطاهرة النقية , التي رجاؤها دوما وجه ربها وسعيها دوما هو في طرقات الخير المضيئة ..

والناس جميعهم يحتاجون يدا حانية , تربت على أكتافهم في أوقات الشدة , وتقوم انكسارهم في أوقات الآلام , وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق , وتجفف دمعهم عند البكاء ..
إن أعلى الناس قدرا في هذه الحياة هم الحاملون للخير لغيرهم , المعطاؤون بلا مقابل , الناصحون لغيرهم بالعلم النافع والمفرجون كرب الناس والميسرون على المعسرين والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم ..

لكن كثيرا من هؤلاء المعطائين الكرماء , يبذلون أنفسهم وجهدهم لغيرهم دون أن ينظروا لأنفسهم , ودون أن يراعوا مطالبهم وحاجاتهم الذاتية , ودون أن ينتبهوا إلى أنهم هم أنفسهم بحاجة لمن يهديهم السعادة ويقدم لهم السرور ..

إن أشد المشاهد على النفس هو مشهد الشمعة المحترقة التي لطالما تغنى بها الشعراء وتألموا ..

ومن اهل البذل والعطاء من هم مثل تلك الشموع التي تحترق لتضىء للآخرين طريقهم , وتهديهم السعادة , بينما هم يتساقطون ألما ووهنا وضعفا ..
من هنا فيجب أن يهتموا بأنفسهم حتى يستطيعون إكمال المسيرة , وحتى يقدرون على البقاء على الطريق , طريق إسعاد الناس ..
إن فاقد الشىء لايعطيه , وفاقد السعادة يصعب أن يقدمها وهو مكبوت مكروب مهموم , فيلزم أن يهتم بإسعاد نفسه لينجح في إسعاد الناس ..
فيجب أن نحاول أن نسعد انفسنا كما نسعد الآخرين , يجب أن نعطي حق أنفسنا من إسعادها بما أحله الله ..

وللأسف فالبعض يريدوننا دائما أن نعيش لأجلهم , ولأجلهم فقط , ربما يكون ذلك لأنهم تعودوا منا على العطاء , قد نعذرهم في بعض الأحيان لنواياهم الطيبة , وربما لأنهم لم يروننا يوما نتألم أو نطلب منهم شيئا ..!
لكن يجب أن نحادث من حولنا بأننا أيضا نحتاج لأوقات للسعادة , ونحتاج لراحة , ونحتاج لهدوء وطمأنينة وأمان ودعم نفسي وعملي لنستطيع مواصلة الطريق ونستمر في العطاء

يجب أن نبحث عن لحظات السعادة لأنفسنا , ونأخذ هذا القرار , لمصلحة أنفسنا وايضا لمصلحة من نحب ..

- النية الصالحة .. قارب النجاة

تلك المختبئة بين الضلوع ، الداعمة لكل عمل ، الرافعة من قدره أو الممحية لأثره ، المضيئة لوجوه الصالحين ، والمركسة لأعين المنافقين .. إنها النية الصالحة ..
تلك المفرقة بين الصالح والدعي ، وبين المؤمن والمنافق ، وبين الصادق والكاذب ..

تلك الجوهرة الثمينة ، والكنز الثري العظيم ، الذي يبلغ به المؤمن أعلى الدرجات ، ويحسن به مستقبله ومآله ، فيزحزح به عن النار إلى مقام الجنات ..
لطالما كتب العلماء عن النية الصالحة وأثرها، وألفت فيها المؤلفات ، ولن أزيد بكلماتي على ما كتبوا كثير جديد .. غير أني أرجو أن تكون تذكرة للمؤمنين .. وتقويما للدعاة الطيبين ..
إننا نعيش مرحلة من اصعب المراحل الي مرت بها أمتنا الإسلامية ، وظرفا من أقسى ظروفها ، ولا نجاة مما تمر به الأمة إلا بقلوب بيضاء ناصعة ونوايا صادقة مخلصة ، يتقبل الله بها دعاء الصالحين ، ويفرج على أثرها من كرب المكروبين ..
فالله سبحانه قد وعد بإخلاف الخير على من ظهر من قلوبهم نوايا الخير ، مهما أخذ منهم ، ومهما أوذوا أو هزموا ، فيؤتهم خيرا مما فقدوا ، ويثيبهم فضلا منه مغفرة من عنده وهو الغفور الرحيم ، يقول سبحانه :" يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم " التوبة .
ووعد بتوفيق من سعى للإصلاح إذا أراد بنيته الخير ونبذ الفرقة  .. " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا "
لكنه سبحانه ايضا حذر من نسي ربه ، وأظهر خلاف ما يبطن ، قال سبحانه :"واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه " البقرة
كما حذر سبحانه الناس جميعا من أنه يعلم طبائع الناس وشاكلتهم وأنه سبحانه يحاسبهم بحسب دواخلهم ونواياهم ، قال سبحانه : " قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا " الإسراء ، والشاكلة هي النية والطبيعة النفسية والاتجاه والطريقة في الحياة وغيرها ، وكل معانيها يصب في اتجاه واحد ، فالله سبحانه يعلم من يصلح للهداية ، فيهديه ، ومن لا يصلح لها ، فيخذله ولا يهديه ، قال الشوكاني " : فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا " لأنه الخالق لكم، العالم بما جُبلتم عليه من الطبائع، وما تباينتم فيه من الطرائق ..
إن العمل الصالح لا يتوقف على شىء توقفه على نية صاحبه ، فهي شرط قبول العمل مع متابعة النبي صلى الله ليه وسلم ..
وانظر كم يحث النبي صلى الله ليه وسلم المؤمنين على إصلاح النوايا مهما صغرت الأعمال وقلت في أعين الناس ، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة " , منبها أن العمل الصالح مهما كان قليلا فإن له تأثيرا إيجابيا  , وأن المطلوب من المؤمن أن يكون مبادرا , ولو بالقليل
وفي صحيح مسلم :" لا تحقرن من المعروف شيئا " , فإن الله سبحانه يجزل الثواب على المعروف , ويغفر به الذنب , ويستر به العيب , ويقيل به من العثرات , وينجي به من المهلكات .
فبالنية الصالحة قد يستوي الغني والفقير , كرجل نوى لو رزقه الله مالا أن يتصدق به أو أن يفعل به صالحا , قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه , أنه والغني " هما في الأجر سواء " ابن ماجه
وبها يستوي المعذور والمعافى , يقول صلى الله عليه وسلم :" إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم , شركوكم في الأجر , حبسهم العذر" أخرجه البخاري , فهؤلاء اشتركوا معهم في الأجر في كل خطوة من خطواتهم , وكل مسير يقطعوه , وكل صالح يفعلوه , لأنهم أحسنوا النية لكن منعهم العذر.
يقول ابن المبارك : " رُبَّ عمل صغير تُعظِّمه النيّة، ورُبَّ عمل كبير تُصغِّره النيّة" .

 ويقول شيخ الإسلام : " والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر"

وانظر إلى هذا الرجل الذي اصلح نيته بعمل بسيط في أعين الكثيرين لكنه دال على حبه الخير للناس ، وسعيه لإزالة الضرر عنهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» مسلم  .

حتى المرأة المخلصة الصادقة في أمر قد يراه الناس من طبيعة الأمهات ، قد أنعم الله سبحانه عليها به بأعظم النعم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: « جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ» أخرجه مسلم .

فياايتها القلوب الطيبة ، عالجي حالك بنية صالحة ، وسارعي إلى أوبة وتوبة ، وإلى إيجابية ودافعية تعيدي بها ما تراجع من قيمنا ومبائنا ومقامنا النازف الكسير ..

- معاناة علاقة محرمة .. !

كثير من الناس لديه ذنب يصاحبه , يكاد أن يدمنه منذ فترة طويلة , يصاحبه في حله وترحاله , يكثر من الوقوع فيه بشكل متكرر متتابع ..!

القلوب اللاهية لا تتأثر بذلك الذنب الملاصق  , ولا تتألم له , ولا تعاني من وجوده , بل قد تتمادى فيه , وقد تضم إليه غيره من المعاصي  , حتى تفسد عليه حياته !

فمن الناس من أدمن الفساد , وارتاحت له نفسه , فصار يغلق عينيه عن رؤية الفساد , ولو رآه لبرره , واحتج بكونه ضعيف لايقوى على رفضه , ثم تراه يصبح ترسا في منظومته , ومشجعا عليه , ويصير وصوليا مداحا للفاسدين , ساكتا عن كلمة الحق , مخروسا عن نقد الباطل والفساد .. فتصير حياته كلها فساد !
والبعض قد أدمن الظلم , فصار يظلم أبناءه فلا يقوم بحقهم , ويظلم زوجته فيؤذيها ويؤلمها و ويهملها , ويظلم أخواته فيغصب حقهن في الميراث , ويظلم العاملين عنده فيضيع حقهم ويقتص منه  , ويماطل في أجورهم , ويظلم الناس فلا يؤدي دين من أقرضه مع غناه , ولا يرد الأمانة لمن ائتمنه ..
ومنهم من  قد أدمن الرشوة , فصار يستبيحها في عمله بشكل يومي دائم , بل تطور الأمر به أنه يطلبها مباشرة , بل تطور به حتى إنه ليمتنع عن أداء العمل لمن لم يعطيه الرشوة , وصار طعامه حراما وشرابه حراما ..!
آخرون قد أدمنوا الربا , فصاروا لايبالون عن أموالهم من أين اكتسبوها , مادامت تزيد أمامهم , بل صاروا يصمون آذانهم عن فتاوى حرمة الربا , بل عن آيات القرآن في محاربة آكل الربا , وصارت حياتهم كلها ربا , متعرضون لحرب من الله ربهم .

وغيرهم قد أدمنوا العري , ووجدوا أنفسهم في رؤية العري , ومتابعته , والنظر إليه , بل  والسعي نحوه , وتركوا أنفسهم نهبة للشهوات , فنهارهم لهاث نحو النساء وليلهم سقوط في حمأة الذنب !

كل واحد من هؤلاء وأمثالهم قد يفاجأ  – مع مرور الوقت – بجبال من آثام قد واقعها استهانة بهذا الذنب , ثم يرتطم بجدران عازلة بينها وبين التوبة منه , وبضعف متناه في القدرة على البعد عنه , وربما قهره هذا الذنب , فظل يصاحبه حتى آخر رمق وآخر لحظة وآخر لفظة من الحياة , فيلقى ربه عليه ..

إدمان الذنب سببه الضعف في لحظة الوقوع فيه , وعدم القدرة على الصمود أمام بريقه , وتراجع مستوى يقين القلب في مواجهته , والاستسلام أمام دعوة الشيطان لتكراره , وتذكر لذة حدوثه , وعدم اتخاذ خطوات تنفيذية في طريق تركه وإبعاده .

بعض مدمني الذنوب قلوبهم طيبة , ونفوسهم مؤمنة , لكنها عاصية , تضعف أمام ذلك الذنب , وتنكسر أمامه , فيمثل لها ذلك الذنب العقدة الثقيلة , والعقبة الكؤود .

هؤلاء الطيبيون يعانون معاناة تلك العلاقة المحرمة بينهم وبين الذنب , وتنغص عليهم حياتهم , فهم يرتجون الإقلاع عنه لكنهم لايفعلون , ويتمنون التوبة منه لكنهم لاينجحون ..!

إن حياة المؤمن كلها عبارة عن صراع بين الحق والباطل , ومنازعة بين الطاعة والإثم , فليس ثم لحظة راحة , ولا توجد ساعات هدنة , إلى أن يلقى ربه , يعبر عن ذلك ما يروى عن الإمام أحمد في لحظاته الأخيرة يغشى عليه ثم يقول : ليس بعد , فيسألونه عن ذلك , فيقول يأتيني الشيطان فيقول لي : أفلت مني ياأحمد , فاقول له : ليس بعد .. ليس بعد

الشيطان – لطول صحبته للإنسان , يعرف نقائصه , ويترصد لسقطاته , ويبحث عن ثغراته للولوج له والوسوسة له , والتأثير عليه .

والحقيقة أنه ليس هناك مؤمن عديم الذنب , بل الجميع مخطىء , ومسىء , ومقصر في جنب ربه سبحانه , لكن هناك من ينجح في مواجهة الشيطان , والفوز عليه في مباراة المنازعة بين الطاعة والمعصية , ومنهم من يستسلم له فينهزم ويحمل ذنبا بعد ذنب وخطيئة تلو خطيئة ..

البداية يجب أن تكون من القلب , فهو المركز المؤثر , البداية من هنا بالفعل , هذا القلب يجب أن يمتلىء بحب ربه سبحانه , وحب رضاه , وحب توحيده , وأن يسعى أن يستشعر بلذة العبودية , وطعم الإيمان , وحلاوة التوبة من الإثم .

ثم عليه أن يقنع نفسه إقناعا بخطر ذلك الإثم وسوء أثره عليه , وعقوبته المؤلمة إن هو تهاون فيه , فيندم عليه ندما يحرق حلاوة المعصية التي يجدها , ويذكر نفسه أنه عليه أن يلبي نداء ربه في التوبة النصوح من كل إثم والمسارعة إليها .." يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا "

ثم يوقظ في نفسه القدرة على الإيجابية والمبادرة والمجاهدة , والبدء يخطوات تنفيذية حقيقية في سبيل تغيير حياته ونفسيته , ويستبدل ضعفه ثباتا ويقينا وقوة قلب ويستصحب الخوف من الله سبحانه , ويذكر نفسه بعذابه وعقابه " قوا أنفسكم وأهليكم نارا "

ثم يجب أن يقوم المؤمن بعملية أشبه بالعملية الجراحية لاستئصال ورم خبيث , فيقطع الأوردة التي تغذي هذا الورم , ويقطع الحبال التي توصله بالذنب , ويسد الطرق التي يسير فيها إليه , ويفارق أماكنه , والذين يسهلونه له , ويضع العقبات في سبيله إذا هو أراد العودة إليه .

وهو في كل ذلك يستعين بالله الرحيم اللطيف الخبير سبحانه , ويحسن الظن به سبحانه , بأنه سيتوب عليه ويغفر له , ويكثر من دعاء ربه بالتوفيق للتوبة منه .

الحقيقة أن هذه العملية المركبة في مطاردة الذنوب , ينبغي أن تكون دائمة طوال حياة الإنسان , كما ينبغي أن تكون متابعة مع كل ذنب ينتبه المؤمن أنه قد عاوده .

لكن لاينبغي أن يؤثر ذلك على حياته وإنجازاته وإيجابيته في مسايرة خطواته الفعالة في سبيل نجاحه وإصلاحه لحياته ومجتمعه , فالتوبة عملية دائمة , والإصلاح أيضا هو عملية دائمة , والإنجاز في الحياة عملية موصولة مع كل خطوة من خطوات المؤمن .

فعليك إذن أن تخطو نحو الأمام في حياتك , وتتابع قلبك وتطهره وتنقيه من آثار الخطايا , وترجو ربك وتدعوه بالتوفيق ... كله معا

- مفهوم الابتلاء في الإسلام

مفهوم الابتلاء في الإسلام قائم على الاختبار منه سبحانه لعبده، ليظهر منه مقام العبد وجهده وعمله وصبره ويقينه وغير ذلك، قال سبحانه:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
والله سبحانه يبتلي عباده المؤمنين فإن للإيمان قيمة عظمى يجب أن تختبر ويجب أن ينقى العبد المؤمن، فالابتلاء كالنار للذهب تفتنه وتنقيه وتخرج منه الشوائب، قال سبحانه:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}..
وقد يبتلى المرء في نفسه أو ماله أو عياله أو غيره، قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ..الآيات}.
والابتلاء منق للعبد المؤمن ومقوم له وفي الحديث "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة"، أخرجه الترمذي وابن حبان.
أما ما تصفه فما أحسبه إلا حالة تشعر بها بعد الوقوع في الإثم، ولتعلم أن الوقوع في الإثم له أسباب مهمة فعليك قطعها فوراً.
ومن أهم ذلك عدم تعظيم الله سبحانه وتوقيره عز وجل، قال سبحانه: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}، {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، والمرء الذي يغفل عن توقير الله سبحانه وتعظيمه يقع في الآثام ويغرق في مستنقعها، وأول خطوات توقير الله سبحانه وتعظيمه هو توحيده عز وجل وتنقية ذلك التوحيد وعدم الشرك به سبحانه طرفة عين ولا مثقال ذرة، وكذلك الإيمان بأركان الإيمان الستة كما أمر سبحانه وكما بين رسوله صلى الله عليه وسلم.
كذلك من أسباب الوقوع في الآثام الغفلة عن أداء فرائضه، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والصدقة تطهر القلب وتزكيه والصوم يجلب التقوى وهكذا.
ومن أسباب ذلك أيضا الغفلة عن ذكره عز وجل، فذكره سبحانه سواء بالقرآن الكريم أو بالأذكار الأخرى أو بتعلم العلم يحيي القلب بعد موته وينشئ الحياة الطيبة.
فإن كنت قد غفلت عما سبق فلا تسلني عن سبب الوقوع في الآثام.. كيف وقد فتحت أبوابها؟!..
ونصيحتي لك، أن تتطهر، وتتوب إليه سبحانه، وتجدد عهدك معه عز وجل، وتنتظم في صلاتك، وذكرك في الصباح والمساء، وأن تربط نفسك بعلم تتعلمه بين يدي علماء صالحين، وتربط نفسك بالمساجد سواء في صلاة الجماعة، أو حضور دروس العلم، وتربط نفسك بصحبة صالحة يدعونك إلى الخير ويباعدونك عن السوء، وأن تحفظ الله في خلوتك، وأن تكثر من دعائك "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

- ما مصدر الطمأنينة في زمن القلق؟

ما دامت الطمأنينة هي هدف يسعى كل إنسان في هذه الحياة للوصول إليها، وما دام الله تعالى قد أرشدنا -كمسلمين- إلى مصدر هذه الطمأنينة ومنبعها الذي لا ينضب، فهل يعقل بعد كل ذلك أن يتغافل المسلم عن ذلك المصدر ويحيا حياة مليئة بالقلق وبعيدة عن الطمأنينة؟!!

السعادة غاية كل إنسان في هذه الحياة، والطمأنينة هي العامل الأهم في تحصيل تلك السعادة، والركن الأبرز من أركان الحياة الهانئة الرغيدة، وبينما تفضل الله تعالى على عباده المؤمنين بإخباهم بمصدر تلك الطمأنينة ومعينها الأوحد، ما زال الإنسان -غير المؤمن منذ فجر التاريخ وحتى الآن- يبحث عن تلك الطمأنينة التي تنقذه من آفات وويلات القلق الذي يفتك به، ويحاول أن يتلمس أسبابها ويعرف مصدرها ومنبعها، بعيدًا عن الوحي الإلهي والهدي النبوي، دون أن يصل إلى نتيجة تشفي غليله، أو يتحصل على دواء يعالج به أمراضه النفسية.

لقد أخبر الله تعالى المؤمنين عن مصدر الطمأنينة، الذي لا يمكن لشيء في هذه الدنيا أن يسد مسده مهما علت في نظر الناس قيمته ومكانته، فقال تعالى في كتابه العزيز: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

 قال ابن كثير والطبري: أي: تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن قلوبهم عند ذكره وتستأنس، و ترضى به مولى ونصيرًا. (تفسير ابن كثير[4/455]، وتفسير الطبري[16/432]).
وقال القرطبي: "أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن، سواء بالقرآن الكريم كما قال مجاهد وقتادة، أو بأمره ووعده كما ذكر سفيان ومقاتل، أو بالحلف باسمه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما" (الجامع لأحكام القرآن[9/315]).

نعم.. قد يشرق المسلم أو يغرب في هذه الحياة بحثًا عن راحة البال وسكون النفس وطمأنينة القلب، وقد يغفل أحيانًا عن مصدر الطمأنينة المتمثل بدوام ذكر الله بكافة أنواع الذكر والطاعات، إلا أنه سرعان ما يدرك أن قلبه قد أصبح مضطربًا وغير مطمئن، وأن القلق يجتاح كيانه وروحه قبل قلبه وعقله، فيرجع سريعًا إلى منبع الطمأنية ومصدر راحة البال.

إن لحظات من خلوة المسلم بنفسه في زحمة الحياة -التي قد تبعده عن مصدر الطمأنينة ومفتاح السعادة- كفيلة بأن ترده من جديد إلى رحاب الطمأنينة والركون إلى جنب الله، وكفيلة بتبديد ظلمات القلق والهلع الذي قد ينتابه جراء البعد عن ذكر الله تعالى، والركون إلى الدنيا وزخرفها.

قد ينخدع المسلم أحيانًا بزخرف الحياة المادية التي يحياها الناس في الدول الغربية، فيظن أن الطمأنينة تكمن في المال الوفير الذي يؤمن له متطلبات الحياة ومستلزماتها، ولكنه حين يغوص في أعماق حقيقة قلوب ونفوس هذه المجتمعات غير المؤمنة بالله تعالى، يدرك حجم الشقاء النفسي الذي يحيونه، ومقدار القلق الذي ينتاب قلوبهم ويجتاح نفوسهم.

إن نظرة سريعة لآفات القلق التي تفتك بالمجتمعات غير المؤمنة، كفيلة بالدلالة على عظمة هذا الدين، وبالإشارة إلى النعمة الكبرى والجائزة العظمى التي امتن الله تعالى بها على المسلمين، حيث أذن لهم بذكره، ودلهم على مصدر الطمأنينة والراحة والسعادة في الدنيا والفوز والنعيم في الآخرة.

يقول ديل كارنيجي في كتابه الشهير (دع القلق وابدأ الحياة): "إن كل شخص من عشرة أشخاص في أمريكا مهدد بالانهيار العصبي، ومرجع ذلك على العموم هو القلق.. لقد دلت الإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية أن القلق إنما هو القاتل الفعال للأمريكيين الذين يلاقون حتفهم، فقد قتل القتل في أثناء الحرب العالمية الثانية ثلث مليون مقاتل تقريبا.. إن الأمريكيين الذين يموتون من جراء الانتحار يفوق عددهم عدد الذين يموتون بالأمراض المختلفة مجتمعة!! لماذا؟ من المؤكد أن الجواب هو القلق الذي يفقدهم وعيهم ويقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق" [22-28].

ولا تقتصر نتائج القلق الفتاكة على الأمريكيين فحسب، بل هي تطال معظم الدول الغربية والشيوعية عمومًا،  حيث أشارت المعلومات التي أعلنتها "منظمة الصحة العالمية" مؤخرًا أن الدول الشيوعية هي الأكثر انتحارًا في العالم. كما أشارت آخر الإحصاءات عن المنظمة إلى أن أكثر من (مليون شخص) يقدمون على قتل أنفسهم كل عام، وهي نسبة تفوق معدلات الوفاة الناجمة عن جرائم القتل العمد والحروب، فالانتحار هو السبب الرئيس للموت في أوساط المراهقين والبالغين دون سن ال35.
وأوضح التقرير أن عملية انتحار تتم كل 40 ثانية، وهو ما يمثل حوالي مليون وفاة تحدث سنويًا في العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلي 1.5 مليون بحلول عام 2020م، وأن شخصًا يحاول الانتحار كل ثلاث ثوان.

وأشار الخبراء إلي أن الانتحار يشكل ما يقرب من نصف الوفيات العنيفة في العالم، إذ ظهرت حوالي 6003 حادثة انتحار ووفيات غامضة في بريطانيا وايرلندا عام 2003م، وهو ما يفوق عدد حوادث الطرق بأكثر من ثلاث مرات.
وبعيدا عن الأسباب التي يذكرها علماء الشرق والغرب لظاهرة الانتحار الناجمة عن القلق وغيره من الاضطرابات النفسية، من فقر وإدمان على المخدرات، ومشكلات العمل وغير ذلك، فإن السبب الرئيس يتمثل بالفراغ الروحي والإيماني، والبعد عن مصدر الطمأنينة الحقيقي المتمثل بذكر الله تعالى، ومفتاح السعادة الأبدي المرتبط بالعقيدة والإيمان به سبحانه.

ما دامت الطمأنينة هي هدف يسعى كل إنسان في هذه الحياة للوصول إليها، وما دام الله تعالى قد أرشدنا -كمسلمين- إلى مصدر هذه الطمأنينة ومنبعها الذي لا ينضب، فهل يعقل بعد كل ذلك أن يتغافل المسلم عن ذلك المصدر ويحيا حياة مليئة بالقلق وبعيدة عن الطمأنينة؟!!

أختم بكلمة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه الفريد (فن الذكر والدعاء عند خاتم النبيين) يقول فيها: "إن النفس التي يقول الله لها: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29-30] هي النفس المطمئنة، نفس من طراز خاص، نفس استراحت إلى الله وتعاليمه، وآثرته -سبحانه- على غيره من مغريات المال والجاه، ولم يكن ذلك خاطرًا مساورًا، بل كان صيغة حياة وتحديد وجهة، وهذا معنى النداء الخالد: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27-28] [ص 6]. 

- قصة سيدنا عيسى عليه السلام

قصة عيسى عليه السلام
نشأة مريم
لا خلاف أنها من سلالة داود عليه السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه 
وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم "أشياع" في قول الجمهور وقيل زوج خالتها "أشياع" فالله أعلم.
و قد كانت أن أم مريم لا تحبل فرأت يوماً طائراً يزق فرخاً له فاشتهت الولد فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محرراً أي حبيساً في بيت المقدس.
قالوا: فحاضت من فورها فلما طهرت واقعها بعلها فحملت بمريم عليها السلام {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} أي في خدمة بيت المقدس، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون لبيت المقدس خداماً من أولادهم
{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
وقد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شتئم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}
ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم، فتنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها - أو خالتها على القولين. فطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم وذلك أن الخالة بمنزلة الأم.

قال الله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}
وذلك أن كلاًّ منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في موضع وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها وظهر قلم زكريا عليه السلام.
فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن ألقوا أقلامهم في النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء 
ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا فكان زكريا هو الغالب لهم فكفلها إذ كان أحق بها شرعاً وقدراً .

قال الله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
قال المفسرون: اتخذ لها زكريا مكاناً شريفاً من المسجد لا يدخله سواها، فكانت تعبد الله فيه وتقوم مما يجب عليها من سدانة البيت إذا جاءت نوبتها وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في بني إسرائيل، واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة حتى إنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقاً غريباً في غير أوانه. فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف فيسألها {أَنَّى لَكِ هَذَا} فتقول {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي رزق رزقنيه الله {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فعند ذلك وهنالك طمع زكريا في وجود ولد له من صلبه وإن كان قد أسن وكبر {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} قال بعضهم: قال: يا من يرزق مريم الثمر في غير أوانه هب لي ولداً وإن كان في غير أوانه. فكان من خبره وقضيته ما قدمنا ذكره في قصته.‏

بشارة الملائكة لمريم
{ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ{
يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب وبُشرت بأن يكون نبياً شريفاً {يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهولته، فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها، وأُمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلاً لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة، فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها.
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين بأربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد".
قصة حمل مريم بعيسى عليه السلام
لما خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولداً زكياً يكون نبياً كريماً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج فاخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورة لابد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شؤونها و{انتَبَذَتْ} أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} 
فلما رأته {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً} 
و التقي هو ذو نهية. 

{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} أي خاطبها الملك قائلاً لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك لأهب لك ولداً زكيا.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} أي كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد 
{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً} أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة 
{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها قائلاً أنه وعد الله أنه سيخلق منك غلاماً ولست بذات بعل ولا تكونين ممن تبغين 
{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي وهذا أسهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.
وقوله {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أي ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى. 

قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.
ذكر غير واحد من السلف أن جبريل نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها. 
ولما نفخ فيها الروح لم يواجه الملك الفرجَ بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها فانسلكت فيه، كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} 

قال تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً}
وذلك لأن مريم عليها السلام لما حملت ضاقت به ذرعاً، وعلمت أن كثيراً من الناس سيكون منهم كلام في حقها، فذكر غير واحد من السلف أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عُباد بني إسرائيل يقال له يوسف بن يعقوب النجار، وكان ابن خالها فجعل يتعجب من ذلك عجباً شديداً، وذلك لما يعلم من ديانتها ونزاهتها وعبادتها وهو مع ذلك يراها حبلى وليس لها زوج، فعرَّض لها ذات يوم في الكلام فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ 
قالت: نعم، فمن خلق الزرع الأول. 
ثم قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ 
قالت: نعم إن الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى. 
قال لها: فأخبريني خبرك. 
فقالت: إن الله بشرني {اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ}.
ويروى مثل هذا عن زكريا عليه السلام أنه سألها فأجابته بمثل هذا. والله أعلم.
وروى عن مجاهد قال: قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني.
قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا.
قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكاناً قصياً.‏

ولادة عيسى
{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}
أي فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، ببيت لحم فتمنت الموت وذلك لأنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو لم تخلق بالكلية.
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}
و فى تفسير ذلك قولان: أحدهما أنه جبريل وفي رواية: هو إبنها عيسى
{ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}. قيل النهر
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} فذكر الطعام والشراب ولهذا قال {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}.
قيل: كان جذع النخلة يابساً وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة، لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الأمتنان {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} 
ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب
{فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}. 
فإن رأيت أحداً من الناس فقولى له بلسان الحال والإشارة إنى نذرت للرحمن صوماً أي صمتاً، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً}
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها قالوا {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة 
ثم قالوا لها {يَا أُخْتَ هَارُونَ} 
وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها. والله أعلم.
عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال فرحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم".

عيسى يتكلم فى المهد
فلما ضاق الحال بمريم {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه
فعند ذلك قالوا : {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} 
أي كيف تحيلين في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو رضيع في مهده ولا يميز ، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء .
فعندها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}.
هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم، فكان أول ما تكلم به أن {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته . 
ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: {آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله ، كما قال تعالى {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنى في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أولي العزم الخمسة الكبار 
ثم قال: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} أي وجعلني براً بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبراها وأعطى كل نفس هداها


حقيقة عيسى عليه السلام
قال تعالى : {ذَلِكَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 
كما قال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
فبين أنه تعالى لا ينبغي له الولد لأنه خالق كل شيء ومالكه، وكل شيء فقير إليه، خاضع ذليل لديه وجميع سكان السماوات والأرض عبيده، هو ربهم لا إله إلا هو ولا رب سواه
وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: "شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، يزعم أن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد".


ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام
قد ذكرنا أنه ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره 
فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض. فبعث رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى 
فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك، فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا عنه، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، وظهرت عليه كرامات ومعجزات في حال صغره
عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله، ففشا ذلك في اليهود وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر،
قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا قال فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره.


من نعم الله على عيسى
وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}.
فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك، أيتها المرأة؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع
القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها ثم دعا فعاد تراباً.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس في خبر ذكره وفيه أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل، فرأى الناس أمراً هائلاً ومنظراً عجيباً.‏

بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يَا بَنِي إسرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، 
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم خطيباً فبشره بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه. إقامة للحجة عليهم وإحساناً من الله إليهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام".

ذكر خبر المائدة
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ}.
ومضمون ذلك: أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوماً، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم. فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل.
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر
وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا.
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول "بسم الله خير الرازقين" فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال: وخل. ويقال: ورمان وثمار، ولها رائحة عظيمة جداً، قال الله لها كوني فكانت.
ثم أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل فقال: إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها. فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك. ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو سبعة آلاف.
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوماً بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير.
عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير.
فإن العلماء اختلفوا في المائدة: هل نزلت أم لا؟ فالجمهور أنها نزلت كما دلت عليه هذه الأثار كما هو المفهوم من ظاهر سياق القرآن ولا سيما قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} كما قرره ابن جرير والله أعلم.

رفع عيسى الى السماء

{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}.
فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان.
قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمه داوود بن نورا فأمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار ببيت المقدس، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقى شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالاً مبيناً كثيراً فاحشاً بعيداً.
و أخبر تعالى بقوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام،
، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت
اثنا عشر رجلاً منهم من الحواريين، يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل مكاني فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا، فقال: أنت هو ذاك. فأُلقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء.
قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بُعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: وذلك قوله تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.



شارك فى نشر الخير