آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

- قصيدة الى جنابك ياقيوم ياشافى


قصيدة الى جنابك ياقيوم ياشافى  - بصوت الحاج عبد الماجد ابودوح



الاثنين، 17 أبريل 2017

- الْرِّيَاضَةُ الْرُّوحِيَّة .

الإنسان الذي تنبَّه ، والذي تذكَّر ، ويريد أن يرجع إلى الله ماذا يفعل ؟ ، يقولون له : عليك أن تأخذ فترة تصفِّي نفسك ، وتطهِّر قلبك ، حتى تلمع فيه الحقائق ، ويظهر لك فيه نور الله عزوجل ، وبعد ذلك تدخل في قول الله :
( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )42الحجر
فيعطوه الاستغفار ، ويعطوه الصلاة على النبي المختار ، ويعطوه أنواع الأذكار ، ومع ذلك يأمرونه بالصيام ، والقيام ، والنوافل ، والقربات ، وفعل الصالحات ، وكل هذه الرياضات لأهل البدايات .......
تلك الرياضة يا مسكين غايتها      ذل ومسكنة إن صح أنت أولى

حتى يكشفوا له ما ران على قلبه مما كسبه من الذنوب والأوزار والغفلات :
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}   سورة المطففين

فإذا لم يستطع المريد القيام بهذه المجاهدات ... ، فحتى لو ظل ألف سنة ؛ فلن يشرف على مقامات المقربين !! ، بل سيظل كذلك من أهل اليمين ... ، ومع ذلك ينبِّهه الله عند وحلته ... !! ويوقظه الله عند غفلته ..!!...
ولكن لا يكشف الله عزوجل له عن أنوار السرائر ، ولا سرائر الأنوار ، لأنه لم يسر على قدم النبي المختار ، فيطهر قلبه كما طهر الله قلب حبيبه ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه .
فإذا أردت يا أخي الفضل الكبير ، والمنن العظام .... :
فهذا هو جهادك ، وهذه هي خدمتك ، وهذا بيان صدق إرادتك ، وهذا هو الدليل العام على إخلاصك في القصد ..؟... ، لأن المدعين كثيرون ، فالذي يكشف صدق المريدين .... هو الجهاد .!.... والجهاد للقرب والوداد

لا يكون إلا بتطهير النفوس والقلوب لربِّ العباد  ، فلا أجاهد حتى أكون شيخاً ..!!.. ، أو أجاهد حتى أكون من أهل الكشف ..!!.. ، أو أجاهد حتى أكون من أهل العلم الوهبي ..!!.. ، لكن أجاهد حتى أتيقن وأكون من أهل اليقين الذين فازوا باليقين في الدنيا قبل أن يخرجوا إلى ملكوت ربِّ العالمين  .
بعد هذا الجهاد مباشرة يجعل الله  لك مصباحاً في أفق قلبك ؛ ينير لك ظلمات هذه الحياة ..... فتكون في سيرك كما يقول الله : .....

(أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)  الأنعام

فتستفيد من كل كائن !!! ، ونأخذ الموعظة والحكمة ..!!.. حتى من الأشياء التي لا يلقى لها الناس بالاً.

-----------------------------------

🌹 اشراقة من كتاب اشراقات الإسراء (الجزء الأول)
🌹 لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

الأحد، 16 أبريل 2017

- الفرق بين نظرة السالك ونظرة الهالك.



جِلاءُ الْقُــلُوب . 
كيف نصل إلى اليقين ؟
هذا كما وضَّحه لنا ربُّنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ عندما يستيقظ المرء من الغفلة ، ويتنبه من الجهالة ، فيسارع إلى مرآة قلبه يصفِّيها ، ويجلوها بذكر الله .. ، والتوبة النصوح لحضرة الله .. ، ولا يزال بها ....... حتى تصير مرآة ناصعة !!! تظهر فيها الحقائق التي بثَّها الله في الأكوان ......!!!.....
سيدنا يعقوب عليه السلام ، رأى في مرآة قلبه قميص يوسف وهو خـارج من هنا- من مصر ،
وقال لأبنائه ... ومن حوله : ...
 (  إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ )  سورة يوسف
ومن عجيب صنع الله عزوجل أن التلسكوب الفلكي عبارة عن مرآة فيها الكائنات العلوية ، وكلما كبرت كلما يظهر فيها من عوالم الله أكثر ، وكلما تصفو كلما تبيّن مجرات ونجوم أكثر وأكثر.......
وهكذا الأمر يا أخواني بالنسبة للسالكين في طريق الله عزوجل . فالذي يطهِّر مرآة نفسه ، يكشف له الله سبحانه وتعالى اللبس ، فلا يرى شيئاً في عالم الدنيا إلاّ ويكشف الله له عن حقيقته ، كما كشف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأكوان ، فيرى الناس أهل الغفلة الدنيا في صورة إمرأة جميلة عليها من كل زينة خلقها الله ، ويراها صاحب البصيرة بعين بصيرته كامرأة عجوز شوهاء ... قد أوشكت على مفارقة الحياة
هذا هو الفرق بين نظرة السالك ونظرة الهالك.
فالهالك يرى بهجة الدنيا ، وزخارفها ، وزينتها ، ونضارتها، فتغرُّه وتضرُّه ، والسالك يراها بعد صفاء مرآة نفسه ، فيرى أنها دار زوال لا دار إقبال ، ودار فناء وعناء ، لا دار سعادة وهناء ، فينزع عن زخارفها وزينتها طمعاً في المباهج الباقية ، وأملاً في رحمة الله  ونعيمه الذي لا ينفد في دار رضوانه وجناته !
وهذا الذي يجعلهم لا يركنون إلى الدنيا ، ولا يميلون إليها ويزهدون فيها ، وإلا فكيف يزهد في الدنيا من غير أن يرى حقيقتها ؟ !! ، وكيف تنزع نفسه عن الركون إلى الدنيا ! ؟ ، وهو يرى زينتها ! ، وبهجتها ! ، وزخارفها .... هي الهمُّ الأعظم والشأن الأكبر عنده ؟ !!!!!
فلابد أن يجلو مرآة نفسه ، ويرى الدنيا بالعين التي رآها بها أنبياء الله ، ورسل الله ، والصالحون من عباد الله عزوجل ، لكن الذي يراها بعين الهالكين- فرعون وقارون
وهامان ومن على أثـرهم - والعياذ بالله- فإنه هو الذي يتيه ويضلُّ سعيه في هذه الحياة ، وفيهم يقول الله عزوجل :
[  `وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ] الإسراء
ما معنى أعمى ؟...عن الحقائق التي أوجدها الله عزوجل  في الكائنات ، والمصنوعات ، والتي لا يطَّلع عليها ولا يراها إلاّ من سار على درب الصالحين ، ونظر بالعين التي توهب من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ..... فمثل هذا فإنه يحتاج الحالة التي كان عليها الصالحون- ولا زالت إلى يوم الدين.

-----------------------------------

🌹 اشراقة من كتاب اشراقات الإسراء (الجزء الأول)
🌹 لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

السبت، 15 أبريل 2017

- تَسْبِيحِ الْكَائِنَات

الكائنات عندما تسبِّح ؛ لا تسبح مثلنا فتقول ( سبحان الله ) :
وإنما كل كائن له تسبيح يشاكل حالته ، ويسامت هيئته ، ويجعله يؤدى وظيفته التي من أجلها خلقه الله عزوجل ، فلا يقولوا سبحان الله كما نقول نحن ، بل كل كائن له تسبيح خاص به .
فتسبيح الجبال : ...." سبحان القوى " ، فإذا غفل الجبل لحظة عن تسبيح حضرة القوى إندك في الحال ، لأن الذي يحفظه هو القوى عزوجل .
وتسبيح السماء : ...." سبحان الرافع " ، فإذا غفلت لحظة- وسيكون ذلك في آخر الزمان - تهاوت وانتهت الحياة الدنيوية .
وتسبيح الماء : ....." سبحان الحي " ، ولذلك لا يصل الماء إلي أي كائن إلاّ وسرت فيه الحياة التي استمدها الماء من واهب الحياة عزوجل .
فإذا نسى الماء تسبيح الحي ؛ أجدبت الأرض ، فلا تنبت نباتاً ، ولا يحي بها حيوان ، ويموت كل من عليها ، لأنها تستمد سرّ الحياة من واهب الحياة عزوجل .
فكل كائن له تسبيح يلائم الوظيفة التي من أجلها خلق الله عزوجل هذا الكائن .
ولذلك لا يفقه تسبيحهم إلاّ من كشف الله عزوجل له بعين باطنه أمرهم ، ووضّح له بجلاء حالهم ، فيرى عوالم الله كلها تسبِّح الله بنغمات شجيَّة، وكلمات روحانيَّة، توضحّ المزية والخصوصية التي من أجلها أوجدهم الله في هذه العوالم الكونيَّة .
---------------------------------------------
🌹 اشراقة من كتاب اشراقات الإسراء (الجزء الأول)
🌹 لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

- مُكَاشَفَـاتُ الْصَّـادِقِين


السالك الذي يسير في طريق الله عزوجل حتى يتحقق صدقه ، ويتبين صفاء مقصده ، ويعرف خالص طويته ، ويتأكد من صدق نيَّـته ، يكاشفه الله عزوجل إما بعقله ، وإما بعين نفسه ، وإما بسريرة قلبه .... بأي شئ تقع عليه عين حسِّه.
إذا كان من أهل اليمين، فعندما يرى أي منظر يجد في نفسه عبرة وعظة :
{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} الحشر
وأهل العبرة هم الذين لم تشغلهم الدنيا بزخارفها ، وزينتها ، وزهرتها ، عن الدار الآخرة- فعندما يرى أي منظر يجد من الله عزوجل معيناً له على سلوكه ، عظة وعبرة تظهر له في نفسه ، ويعلمها بعقله ، تهديه إلى سلوك الطريق المستقيم .
فإن الذي لا يمدُّه الله عزوجل بهذا الإمداد هو الذي- والعياذ بالله- في هاوية الصّدّ والبعاد ؛ مشغول بشهواته ، مفلس في قضاء أوقاته ، ضائع في غفلاته
………………………………………………………………………
🌹 اشراقة من كتاب اشراقات الإسراء (الجزء الأول)
🌹 الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

الاثنين، 10 أبريل 2017

- خياركم كلّ مفتّن توّاب

الذنوب قدر واقع لا بد منه؛ لأن الأرض مليئة بأسباب الذنب، من شيطان لا هم له إلا غواية البشر والقعود لهم بكل صراط، ونفس أمارة بالسوء، وهوى مضل عن سبيل الله، مردٍ في أنواع المهالك، إلى شياطين الإنس الذين يميلون بالناس إلى الشهوات ميلا عظيما، ويوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجا، فمهما اتخذ الإنسان الحيطة والوقاية والحذر من الذنوب فإنه غير سالم منها؛ لأنها قدر واقع لا يمكن دفعها بالكلية، كما لا يمكن دفع الأمراض العضوية بالكلية مهما تخذنا من أسباب الحيطة، فالذنوب من قدر الله تعالى، وكل إنسان مكتوب عليه حظه منها كما كتب عليه حظه من المرض.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، قال طاووس: "ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين: النظر، وزنا اللسان: النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" [رواه البخاري].

ولكن هذا لا يعني التراخي والتهاون مع الذنوب وركوبها في كل خاطرة وسانحة بدعوى أنها قدر وواقع لا مفر منه. كما لا يمنع من مكافحة الذنب وعلاجه والتخلص منه ومن آثاره، لأنه كما يمكن الاحتياط من المرض العضوي، كذلك يمكن الاحتياط من الذنب، وكما أن للمرض علاجا، فكذا للذنب علاجا، ولأن المرض إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك البدن، وكذا الذنب إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك الروح، وهلاك الروح أشد من هلاك البدن.
والشرع حين يذكر أن الذنب حقيقة مقدرة على البشر، لا يفوته أن يذكر فضل المدافعين له والمتحامين منه.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" [الترمذي، صحيح الجامع: 4515] 
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال -صلى الله عليه وسلم-:"مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ الدنيا، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ". [رواه الطبراني، صحيح الجامع: 5735].

قال المناوي: "(ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة) أي الحين بعد الحين والساعة بعد الساعة، يقال: لقيته فينة والفينة (أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه أبداً حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتناً) أي ممتحناً، يمتحنه اللّه بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيراً (تواباً نسياً إذا ذكر ذكر) أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب".
يروى أنه لما شرب قدامة بن عبد الله الخمر متأولا جلد، فكاد اليأس يدب في قلبه فأرسل إليه عمر يقول: قال تعالى: {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} ما أدري أي ذنبيك أعظم، استحلالك للخمر أولا؟ أم يأسك من رحمة الله ثانيا؟.

وهذا منهج إسلامي إيماني، يمنح العاصين الفرصة للعودة مرة أخرى إلى رحاب الطاعة، ويغلق دونهم أبواب اليأس، ويزرع الأمل في نفوسهم .. جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت، فلم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه، فأتبعه رسول الله بصره ثم قال: "ردوه علي"، فردوه عليه، فقرأ عليه: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال معاذ: يا رسول الله أله وحده، أم للناس كافة؟ فقال: "بل للناس كافة" [مسلم] 
وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يذنب ذنبا، فيتوضأ فيحسن الطُهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له" [أحمد، صحيح الجامع 5738].

إن من الأخطاء الّتي تسرّبت إلينا من شطحات فكر البعض: طلب الوصول إلى حالة السّلامة الكاملة من الذّنوب، وهذا محال. لأنّ جنس الذّنب لا يسلم منه بشر، وكون المؤمن يجعل هذا غايته فهو يطلب المستحيل، فالله تعالى خلق الإنسان في هذه الحياة وجعل له أجلاً يكتسب فيه الصّالحات، فمن قدم على الله بميزان حسنات راجح فهو النّاجي إن شاء الله تعالى، بغضّ النّظر عمّا وقع فيه من السّيّئات إذا كان موحّداً .
وإنّ النّاظر إلى النّصوص الشرعية يدرك بجلاء أنّ مراد الله تعالى من العبد ليس مجرّد السّلامة من المخالفة، بل المراد بقاء العلاقة بين العبد وربّه، فيطيعه العبد فيُؤجر، ويذنب فيستغفر، وينعم عليه فيشكر، ويقتّر عليه فيدعوه ويطلب منه، ويضيّق أكثر فيلجأ ويضطر، وهكذا.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" [ صحيح الجامع: 7074].
قال الطِّيبي: "ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله؛ فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى، وتجاوزه عن المذنبين؛ ليرغبوا في التوبة".

ولهذا كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع سلامته من الذّنوب يكثر من أن يستغفر، إمّا لرؤيته تقصيراً من نفسه في حقّ ما يرى من نعمة الله عليه، أو لأنّه يرى من نفسه تقصيراً في الذّكر خصوصاً عندما يدخل الخلاء أو نحو ذلك .
أي أنه -صلى الله عليه وسلم- يحقّق الإرادة القدسيّة في أن يستمرّ العبد في طلب المغفرة من الله تعالى، كبيان أنّه لا يسلم عبد ما من جنس التّقصير الّذي يوجب طلب المغفرة، إمّا تقصيراً عن الأكمل في نظرهم كما في حقّ الأنبياء، أو وقوعاً في الذّنب كما في حقّ غيرهم .
ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "سددوا وقاربوا وأبشروا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة[متفق عليه] ففيه معنىً لطيف يقطع الطّمع على المؤمن أن يبلغ حقيقة التّديّن التامة والقيام بحقوق الله تعالى، بل المطالبة أن يسدّد العبد وأن يقارب فكأنّ الإصابة غير ممكنة، ولكن كلّما كان سهم العبد أقرب إلى الإصابة فهو أقرب للسّلامة.

وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنّ رجلاً أذنب ذنباً فقال: أي ربّ أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال: عبدي أذنب ذنباً فعلم أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثمّ أذنب ذنباً آخر، فقال: ربّ إنّي عملت ذنباً فاغفر لي، فقال: علم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثمّ عمل ذنباً آخر فقال: ربّ إنّي عملت ذنباً آخر فاغفر لي، فقال الله تبارك وتعالى: علم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به، أشهدكم أنّي قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" [البخاري ومسلم]
وفي المستدرك أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب، قال: "يُكتب عليه"، قال: ثمّ يستغفر منه، قال: "يُغفر له ويُتاب عليه"، قال: فيعود فيذنب، قال: "يُكتب عليه"، قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب، قال: "يُغفر له ويُتاب عليه، ولا يملّ الله حتّى تملّوا" [المستدرك 1 / 59 وصحّحه ووافقه الذّهبي]
وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: "خياركم كلّ مفتّن توّاب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتّى متى؟ قال: حتّى يكون الشّيطان هو المحسور".
وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربّه يستغفر من ذنوبه ثمّ يعود ثمّ يستغفر ثمّ يعود، فقال: ودّ الشّيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملّوا من الاستغفار.
 

- ما أمنية الشيطان

يدأب الشيطان محاولًا صرف المؤمن عن سبيل ربه، ويستحدث له الطرق والأساليب 
والوسائل والأفكار التي تلهيه عن الصراط السوي، وأكثر ذلك أن يلهيه عن التوبة والاستغفار.
فتارة يثقلها عليه، ويوسوس له بأنها عمل صعب ثقيل، وأنه لن يقدر عليه لأنه يحتاج جهدًا واجتهادًا.
وتارة يصعب التوبة عليه من باب أن ذنوبه أثقل من أن تغفر، وأن معاصيه أكثر من أن يتوب منها!
وتارة أخرى ييئسه من قبول تلك التوبة، لأنها غير مخلصة وغير نقية، وأنه مدنس بالآثام.
ولو لم تجد أمامه تلك الطرق وسوس له صارفًا له عن الاستغفار والتوبة بكونه كثيرًا ما يستغفر ثم يعود، وأنه بذلك يخادع ربه، وأنه يجب أن يتوقف عن ذلك!.

كل ذلك من كيد الشيطان، وكل ذلك ينبغي ألا يفت في عضد المؤمن، ويجب أن يتفطن المؤمن إليه، فطريق التائبين ليس مجرد كلمة تقال بل إيجابية وعمل ونية صالحة وإرادة قوية وعزم أكيد يصحب تلك التوبة وذلك الاستغفار.
قيل للحسن بن علي: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يكرر الذنب؟! فقال: "ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار".
إنها أمنية الشيطان، أن يظفر من المؤمن بذلك، فيقنعه بأن يتوقف عن الاستغفار بحجة أو بأخرى، خصوصًا تلك الحجة التي هي من طبيعة بني آدم، كونهم يعاودون الذنوب بعد الاستغفار منها. هي أمنية الشيطان، ويجب علينا أن نعمل على دحض تلك الأمنية بكل سبيل.
كثير من المؤمنين يقعون في تلك المصيدة الشيطانية، مصيدة اليأس، فيقعون صيدًا سهلًا للشيطان، وعندئذ تتضاعف معاصيهم، وتهون عليهم الكبائر خطوة خطوة، وكلما سقطوا سقطة زاد ولوغهم في الإثم، وزاد بعدهم عن التوبة، ذلك لأنهم اقتنعوا بأن الاستغفار لا ينبغي لمن عاد للذنب بعد التوبة منه فكرره وأدمنه.
النفس الإنسانية صعبة المراس، نعم، لكنها ممكنة القياد أيضًا إذا عرفنا دواءها، ودواؤها ها هنا أن نربيها على الثوابت ونرسخ بداخلها المعاني باعتبارها رواسخ لا تتزعزع، ثم ندفعها للبدء في التطبيق، ولا نتركها لتتراخى في التنفيذ.
أما الثابت ها هنا فهو أن من طبيعة الإنسان الخطأ والضعف والسقوط في الإثم، وأن الله سبحانه علم ذلك من بني آدم فقبل منهم التوبة مرارًا وتكرارًا، ووعدهم بألا يقنطوا ولا ييأسوا ما دامت فيهم حياة.

قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وفي الحديث القدسي الصحيح: «من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئًا» (الطبراني، صحيح الجامع).
وانظر إلى جميل عفوه سبحانه وواسع مغفرته سبحانه كما في الحديث القدسي العظيم: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» (أخرجه الترمذي).

وانظر إلى فعل التوبة الصادقة في الذنوب، كما يقوله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (أخرجه ابن ماجه، وحسّنه الألباني).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له» (أخرجه أصحاب السنن). وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض» (صحيح الجامع). وفي الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم» (رواه مسلم).

لكن احذر يا أيها النادم التائب، فإنه لا بطالة مع التوبة، ولا قعود ولا كسل مع التوبة، فلا بد للتوبة كي تكتمل من عمل صالح، فكما أنها ترك لما يكره سبحانه فإنها فعل لما يحب سبحانه، وكما أنها تخلٍ عن معصية فإنها تحل بطاعة.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات، فرأى بابًا قد فُتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مغلقًا فتوسده، ووضع خده على عتبة الباب ونام ودموعه على خديه، فخرجت أمه بعد حين، فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي أين ذهبت عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني؟ ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت، فتأمل قول الأم... وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها» (رواه مسلم)، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! فإذا أغضبه العبد بمعصيته ثم تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به.
فإذا هداك الله إلى توبة قلبية مخلصة، فاحذر الذنوب، واحذر أن تحترق بنارها مرة أخرى، وإذا ما زلت بك قدمك فسارع بالاستغفار فورًا، وبالعمل الصالح، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وأتبِع السيئة الحسنة تمحها».
 

- خطورة الوساوس والخطرات


قال الإمام ابن القيّم – رحمه الله تعالى – في كتابه الفوائد:
مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة.

فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها، فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلاهها صاعدة إليه دائرة على مرضاته ومحابه فإنّه سبحانه به كل صلاح، ومن عنده كل هدى، ومن توفيقه كل رشد، ومن توليه لعبده كل حفظ، ومن توليه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء، فيظفر العبدُ بكل خير وهدى ورشد بقدر إثبات عين فكرته في آلائه ونعمه وتوحيده وطرق معرفته، وطرق عبوديته وإنزاله إياه حاضراً معه، مشاهداً له، ناظراً إليه رقيباً عليه مطلعاً على خواطره وإرادته وهمّه، فحينئذٍ يستحي منه و يجله أن يطلع منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله، أو يرى في نفسه خاطراً يمقته عليه.
فمتى أنزل ربّه هذه المنزلة منه رَفَعَه و قرّبه منه، وأكرمه واجتباه ووالاه، وبقدر ذلك يبعد عنه الأوساخ والدناءات والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة، كما أنّه كلما بعد منه وأعرض عنه قرب من الأوساخ والدناءات والأقذار، ويقطع عن جميع الكمالات ويتصل بجميع النقائص.

فالإنسان خير المخلوقات إذا تقرب من بارئه والتزم أوامره ونواهيه وعمل بمرضاته وآثره على هواه. وشر المخلوقات، إذا تباعد عنه و لم يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته، فمتى اختار التقرب إليه وآثره على نفسه وهواه، فقد حكم قلبه وعقله وإيمانه على نفسه وشيطانه، وحكم رشده على غيّه، وهداه على هواه، ومتى اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده.

واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة، فردها إلى مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.
ومعلوم أنه لم يعط الإنسان أمانة الخواطر ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلاّ أن قوة الإيمان والعقل له ونفرته منه كما قال الصحابة - رضوان الله عليهم: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة (أي فحمة) أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: " أوَقَد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال: " ذلك صريح الإيمان " [مسلم:١٣٢] وفي رواية: " الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة ".

وفي خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها ، فمن الناس من تطحن رحاه حبّاً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى و تبناً ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه، فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته صار فكراً جوالاً. فاستخدم الإرادة فتساعدت هي والفكر على استخدام الجوارح ، فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالتمني والشهوة وتوجهه إلى جهة المراد.
ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، و إصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد.

فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك فإنّ هذه خاصتك، وحقيقتك التي تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلاّ في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلاّ كذلك.

وإيّاك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك فإنه يفسدها عليك فساداً يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك.
فمثالك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيد الحبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونته، فإن طرده ولم يمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون استمر على طحن ما ينفعه وإن مكنه من إلقاء ذلك في الطاحون أفسد ما فيها من الحب وخرج الطحين كله فاسداً.

والذي يلقيه الشيطان في النفس لا يخرج عن الفكر فيما كان ودخل في الوجود لو كان على خلاف ذلك، وفيما لم يكن لو كان كيف كان يكون، أو فيما يملك الفكر فيه من أنواع الفواحش والحرام أو في خيالات وهمية لا حقيقة لها أو في باطل أو فيما لا سبيل إلى إدراكه من أنواع ما طوي عنه علمه فيلقيه في تلك الخواطر التي لا يبلغ منها غاية ولا يقف منها على نهاية، فيجعل ذلك مجال فكره ومسرح وهمه. وجماع إصلاح ذلك: أن تشغل فكرك في باب العلوم والتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنّة والنار وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها، وفي باب الإرادات والعزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح إرادة ما يضرك إرادته.

وعند العارفين أن تمني الخيانة وإشغال الفكر والقلب بها أضر على القلب من نفس الخيانة، ولاسيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتها فإن تمنيها يشغل القلب ويملؤه منها ويجعلها همه ومراده.
وأن تجد في الشاهد أن الملك من البشر إذا كان في بعض حاشيته وخدمه من هو مُتَمَنٍّ لخيانته مشغول القلب والفكر بها ممتلئ منها وهو مع ذلك في خدمته وقضاء أشغاله، فإذا اطّلع على سره وقصده مَقَتَه غاية المقت وأبغضه وقابله بما يستحقه، وكان أبغض إليه من رجل بعيد عنه جنى بعض الجنايات وقلبه وسرّه مع الملك غير منطو على تمني الخيانة ومحبتها والحرص عليها، فالأول يتركها عجزاً واشتغالاً بما هو فيه وقلبه ممتلئ بها، والثاني يفعلها وقلبه كاره لها ليس فيه إضمار الخيانة، ولا الإصرار عليها، فهذا أحسن حالاً وأسلم عاقبةً من الأوّل.

وبالجملة: فالقلب لا يخلو قط من الفكر، إمّا في واجب آخرته ومصالحها، وإمّا في مصالح دنياه ومعاشه، وإمّا في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

- لماذا تتغير أخلاقنا في المواقف؟!

أخلاق المؤمنين ليست أخلاقًا لوقت اليسر وفقط ، لكن الأخلاق أكثر ما تظهر في أوقات الشدة والعسر وأوقات الأزمة. البعض تجده حسن الخلق، عفيف اللسان، حييى السلوك، مادام هادئًا، ومادامت الظروف حوله ظروف راحة وسعة، فأما إن انقلبت الظروف، فحدثت له مواقف غضب، أو شدة أو تعسير أمر أو مثاله، إذا بك تجد شخصًا آخر غير الذي عرفته بحسن خلقه!.

إذا بك تجد غضوبًا شرسًا، شتامًا سبابًا، مخيفًا متعديًا، غليظًا فاحشًا! هذا نجده في واقعنا كثيرًا، ونعايشه كثيرًا، حتى إنك ليصيبك الاستغراب والاندهاش من مدى تغير تلك الشخصية! ألهذه الدرجة لم تصل الأخلاق الإسلامية إلى القلوب والنفوس، ولم تستطع أن تغير حقيقة الصفات؟!.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء" (صحيح الترمذي[1977])، والفاحش أي الشاتم وفاعل الفحش (ابن بطال)، و البذاء أي الفحش في القول، وهو بذيء اللسان (النهاية). فكيف ينقلب المرء إلى هكذا وصف سيء مستنكر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في لحظة لمجرد موقف أو كلمة أو خلاف؟!.

كنا نظن أن السفهاء هم قليلو العلم سيئو الخلق، من يتصفون بتلك الخطايا، لكننا فوجئنا بكثير ممن نظنهم من المتعلمين ذلك! قال القرطبي: "والبذيء اللسان يسمَّى سفيهًا؛ لأنَّه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس، وأصحاب العقول الخفيفة".
البعض يتحجج لفحشه وبذاءته بأنه استغضب، وبأن الموقف يحتاج إلى ذلك، وبأن الآخرين قد بدأوا بالخطأ، وبأن التعامل الهادئ في تلك المواقف مضرة وسلبية! ولاشك أن ظنه ظن خاطئ قد يورد الناس موارد السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن امرؤ شتمك، أو عيَّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيِّره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه وأجره لك فلا تسبنَّ شيئًا" (صحيح الترغيب[2782]).

يقول القاري: "والفحش، والبذاء، مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين... " ثم قال: " فينبغي لمن ألهمه الله رشده، أن يجتنبه ويعود لسانه طيب القول، ويقتدي في ذلك بالأنبياء عليهم السلام، فهم الأسوة الحسنة" (مرقاة المفاتيح).
هناك آخرون يستعملون فظ الكلمات، ومستهجنها، ومستقبحها، وحجتهم أنها مستعملة عند العرب! يقول الماوردي: "ومما يجري مجرى فحش القول وهُجْره في وجوب اجتنابه، ولزوم تنكبه، ما كان شنيع البديهة، مستنكر الظاهر، وإن كان عقب التأمل سليمًا، وبعد الكشف والرويَّة مستقيمًا".

قال النووي: "قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها، الكنايات المفهمة، فيكني عن جماع المرأة؛ بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقاع، ونحوها... وكذلك يكني عن البول والتغوط، بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب؛ كالبرص، والبخر، والصنان، وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أنَّ هذا كلَّه إذا لم تدع حاجة إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صُرِّح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإنَّ ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرد الأدب" (الأذكار).

إن أحوج من يكون لهذه الأخلاق هم الدعاة إلى الله، فلا ينبغي أن تتحول أخلاقهم في المواقف تحولًا سلبيًا أبدًا، بل يجب أن تظهر محاسن أخلاقهم في المواقف مهما اشتدت، ومهما كان الخصم سيئًا. وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (صحيح البخاري[6475])، إنها إذن أخلاق أهل الإيمان المحددة، إما أن تقول خيرًا أو لتصمت، والخير بابه واسع جدًا، كما أن الصمت مفيد غاية الإفادة عند انعدام الخير والصواب.

إن الحياء هو سيد الأخلاق عند أهل الإيمان، وخلق الإسلام هو الحياء، ولئن اتصف المرء به فسيملك عليه نفسه وسيغير مساوئ خلقه، فيجب أن نراعي ذلك مراعاة تامة في مناهج التربية وممارستها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه، ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه" (التمهيد[9/257]).

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ألأَمُ خُلق المؤمن: الفحش"، إنها ألأم أخلاقه؛ لأنها تجعله غير مأمون العاقبة وغير مأمون الجانب والسلوك.

وقال الأحنف بن قيس: "أولا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء"، إن هذا في نظر الحكيم الأحنف هو الداء الذي ينبغي الاهتمام به لعلاجه.

وقال القاسمي: "كلام الإنسان، بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل، وإياك وما يستقبح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويُوَثِّب عليك اللئام". 

- خلق التغافل، وأخلاق الكبار

معظم النَّاسِ يَسْعَونَ جاهدينَ لتحقيقِ السَّعادةِ والنَّجاحِ، ونَجَاحُ الإنسانِ في حياتِهِ يَكمُنُ في صِدْقِهِ، وإخلاصِه مع رَبِّهِ وتطبيقِه لأحكامِ شَرعِهِ، ومعاشرتِه للنَّاسِ بأحسنِ الأخلاق وأفضلها، وحماية اللسان من الخوض فيما لا يَعني و لا يُغني، لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد وجّه المسلمَ لاغتنام طاقاتِه فيما ينفعُه، وتركِ ما يضرُّه، ففي الحديث الصحيح: "مِن حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُه مَا لا يَعنِيهِ" رواه الترمذيّ وحسّنه. 

ومن حِرصِهِ – صلى الله عليه وسلم- على غرسِ المحبّةِ والأخوّةِ بين أفرادِ أمّتِهِ قال عليه الصّلاة والسّلام: "مَنْ رأى منكُم مَنكَرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فَبِلسَانِهِ، فإنْ لم يستطِعْ فبقلبِهِ، وذلك أضعفُ الإيمانِ" رواه مسلم.

فقوله عليه الصلاة والسلام "مَنْ رأى" دليلٌ عَلَى أَنَّ الإِنكَارَ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّؤْيَةِ، فَلَوْ كَانَ مَسْتُورًا فَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنْ عَلِمَ بِهِ، فالْمَنْصُوصُ عَنْ الإمام أَحْمَدَ-رحمه الله- فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لا يَعْرِضُ لَهُ، وَأَنَّهُ لا يُفَتِّشُ عَمَّا اسْتَرَابَ بِهِ".

لذا لا يجوز للإنسان أنْ يظنَّ بالنّاس سُوءاً أو أنْ يقولَ فيهم سوءاً ظناً منه أو اعتقاداً في ارتكابهم للمنكر، لأنّ مَنْ "رأى" ليس كمن ظنَّ أو اعتقد، كما أنَّ مِن سلامة الإنسان تغافله عن معاصي الناس وأخطائِهم ما لم يُجاهروا بها. ومن أسباب سلامة الإنسان أيضاً عدمُ التدقيق في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.

وفي صحيح الجامع ( برقم 7984 و 7985 ) يقول عليه الصلاة والسلام: "من تَتَبَّعَ عورةَ أخيه تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَهُ، ومن تَتَبَّعَ اللهُ عورَتَه يَفضَحْهُ ولو في جَوفِ بَيتِهِ".

فاتّقِ اللهَ يا من تَتْبَعُ عوراتِ النّاسِ وفضائِحَهم وتَنْشُرُها في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وفي غيرِها من المجالسِ والمنتدياتِ، و أعلمْ أنّ مَن تَتبّع عوراتِ النّاس كانَ مِنْ شِرارِ خَلقِ اللهِ، يقول الشاعر:

شرُّ الورى بمساوي النَّاسِ مُشْتَغلٌ مثلُ الذُّبابِ يُراعِي موضعَ العللِ

واجعل السّعادةَ الأخرويّةَ هدفاً من أهدافِكَ في هذه الحياةِ ليَستُرَ اللهُ حالَكَ، فلا يُوجد مَنْ ليسَ له عُيوبٌ، واعلم أنَّ كلامَك مكتوبٌ وقولَكَ محسوبٌ، و اسألْ ربَّكَ أنْ يَستُرَ عيوبَكَ.

كانَ الإمامُ مالكٌ بنُ أنسٍ - رحمه الله- يقولُ: أدركتُ بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواماً لم تكن لهم عُيوبٌ، فعابوا الناسَ؛ فصارتْ لهم عُيوبٌ. وأدركت بها أقواماً لهم عُيوبٌ، فسكتوا عن عُيوبِ النَّاسِ؛ فنُسيتْ عُيوبُهم. مجموع أجزاء الحديث.

فالسكوتُ عن عيوبِ النَّاسِ من أخلاقِ الكبارِ، مِثْلُهُ مِثْلُ التَّغافُلِ عن سَفَهِ الشَّبابِ وزلاتِهِم، والكَيِّسُ العاقلُ هو الفَطِنُ المتغافلُ عن الزَّلاتِ، وسَقَطَاتِ اللِّسانِ- إذا لم يَتَرَتَّبْ على ذلك مفاسدُ-.

إذا أنت عِبْتَ النَّاس عابوا وأكثروا عليك وأبدوا منك ما كان يُسْتَرُ

فإن عِبْتَ قومًا بالذي ليس فيهمُ فذلك عنــدَ الله والنّـــَاسِ أكبرُ

وإن عِبْتَ قومًا بالذي فيك مثله فكيف يَعِيب العُورَ من هو أعورُ

والإسلامُ أمَرَ بِسَتْرِ عوراتِ المسلمينَ، واتِّقاءِ مواضعِ التُّهَمِ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19].

كما يدعو إلى التَّغافُلِ عن الزَّلاتِ، و إظهارِ عَدَمِ رُؤيَتِها.

ومِنْ فَضَائِلِ التَّغافُلِ مَا رواه الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ أحمدَ عَن عُثْمَانَ بن زَائِدَةَ قَالَ: "الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ". فحدَّثتُ به أحمد بن حنبل فقال: "العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ".

وكَثِيرًا مَا وَصَفَتْ الْعَرَبُ الْكُرَمَاءَ وَالسَّادَةَ بِالتَّغَافُلِ وَالْحَيَاءِ فِي بُيُوتِهَا وَأَنْدِيَتِهَا.

قَالَ الشَّاعِرُ : 
نَزْرُ الْكَلامِ مِنْ الْحَيَاءِ تَخَالُهُ صَمْتًا وَلَيْسَ بِجِسْمِهِ سَقَـمُ

وَقَالَ آخَرُ:
كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرَفَ دُونَ خِبَائِهِ وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِـي

وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ

وَمَنْ يَتَطَلّـَبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ يَجِدْهَا وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

وفي وصف ابن الأثير-رحمه الله- لصلاح الدين الأيوبي قال: "وكان -رحمه الله- حليماً حَسَنَ الأخلاقِ، ومتواضعاً، صبوراً على ما يَكْرَهُ، كثيرَ التَّغافُلِ عن ذُنُوبِ أصحابِهِ، يَسمعُ من أحدِهم ما يَكْرَهُ، ولا يُعلِمُهُ بذلك، ولا يَتَغَيَّرُ عليه".

وهذه لعمري هي أخلاقُ الكبارِ وسادةِ القَومِ، وعلى الإنسان إذا ما أرادَ أن يعيشَ سعيدًا مسرورًا محبوبًا معدودًا في جُملةِ الكِبارِ أن يتحلَّى بها.

وكانت العربُ تردِّدُ هذا البيتَ كثيرًا: 
ليسَ الذكيُّ بسيّدٍ في قومِهِ لكنَّ سيّدَ قومِهِ المُتَغَابِي

وفي حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "جَلَسَتْ إحدى عَشْرةَ امرأةً، فتعاهَدْنَ وتعاقَدْنَ أنْ لا يَكْتُمْنَ من أخبارِ أزواجهنَّ شيئاً. وقالت إحداهن: "زوجي إذا دَخَلَ فَهِد، وإذا خَرَجَ أَسِدَ، ولا يَسْألُ عَمَّا عَهِدَ" رواه البخاريّ في بابِ حُسْنِ المعاشرةِ مع الأهلِ.

ومِنْ صفاتِ الفَهْدِ التَّغَافُلَ.

تذكّرْ -أيٌّها الموفَّق- ما مرّ في يومك وليلتك من مواقف تعاملت فيها مع أهلِك، أو أصدقائِك، أو طلابِك، أو معلميك، أو عامّةِ النَّاسِ، ثم انظرْ هل تَغافلتَ عن أخطائِهم؟ أم حاسبْتَهم عليها حِسابَ الشَّريكِ لشريكِهِ؟

إنْ لم تكنْ قد تغافلتَ عن ذلك فيما مَضَى؛ فلديكَ فيما بقيَ من عُمُرِكَ فُرصٌ جديدةٌ تستحقُّ الاغتنامَ، واغتنامُها يكونُ بالتَّغَاضِي والتَّغافُلِ وغَضِّ الطَّرفِ:
ولسْتَ بمُسْتَبْقٍ أخاً، لا تَلُمُّهُ على شَعَثٍ، أيُّ الّرجال المُهَذَّبُ؟ 

التَّغَافُلُ خُلُقٌ جَميلٌ من أخلاقِ الكِبارِ، وهو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، فاللهُمَّ ارزقْنا مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ.

- أسباب ضعف الهمة

إن الإسلام دين العزة والكرامة، والسموِّ والرفعة، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ الله -عز وجل- كريم يحب الكرماء، ويحب معالي الأمور، ويكره سفسافَها"( رواه الحاكم والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (1890). وقد حذرنا الله من دناءة الهمة، فقد شبه من كان ذا همة دنيئة بالكلب، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} (سورة الأعراف(176).

"فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها، منحطاً إلى أسفل رتبة، مشابها لأخس الحيوانات في الدناءة، مماثلاً له في أقبح أوصافه، وهو أنه يلهث في كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه فهو لاهث، سواء زجر أو ترك، طرد أو لم يطرد، شُد عليه أو لم يشد عليه، وليس بعد هذا في الخسة والدناءة شيء". (فتح القدير (2/386).

لقد ابتليت أمتنا -في زماننا- بأدواء كثيرة، وعلل جسيمة، ومن هذه الأدواء التي أصابت هذه الأمة: داء دناءة الهمة، وضعف العزيمة، والميل إلى الدعة، وإيثار الراحة، والإخلاد إلى الأرض، والقعود عن المكارم، والرضا بالدون، وهذا ما لا يليق بالمسلم، بل الذي يليق به أن يكون ذا همة عالية، وغاية نبيلة؛ فإن ذلك من علامة كمال العقل، قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: "من علامة كمال العقل: علو الهمة! والراضي بالدون دنيء!.
ولم أر في عيوب الناس عيباً *** كنقص القادرين على التمام
هذا الذي أصاب هذه الأمة -عباد الله-، وانتشر فيها له أسباب، ومن أهم هذه الأسباب -والله أعلم-:

الوهن "حب الدنيا وكراهية الموت"
فعن ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء – أي ما يحمله السيل من وسخ- كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".( رواه أبو داود،وصححه الألباني).

فانظر -رحمك الله- فهل هذا الزمان إلا زماننا بعينه؟!...

وقد بين الله أن التخلف عن الجهاد في سبيل الله نوع من دناءة الهمة، وأن الذي يتخلف عنه إنما لميله إلى الراحة والدعة، يقول الله -سبحانه وتعالى- واصفاً من تخلف عن الجهاد مع رسوله-صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (سورة التوبة(42).

أي "لو كان خروجهم لطلب العرض القريب، أي منفعة دنيوية سهلة التناول {و} كان السفر {سفرا قاصدا} أي قريباً سهلاً {لاتبعوك} لعدم المشقة الكثيرة، {ولكن بعدت عليهم الشقة} أي طالت عليهم المسافة، وصعب عليهم السفر، فلذلك تثاقلوا عنك، وليس هذا من أمارات العبودية، بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد لله على كل حال"( تيسير الكريم الرحمن للسعدي).

وجاء في الحديث تأكيد أن ترك الجهاد في سبيل الله والتخلف عن ذلك إنما هو من دناءة الهمة وخستها، والركون إلى الدنيا؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". (رواه أبو داود، وقال الألباني:صحيح لغيره).

فالجهاد يحتاج إلى رجال أقوياء أشداء؛ لأن المجاهد يحمل روحه على راحته، ولسان حاله كما يصفه الشاعر:

ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي *** والموت يرقص لي في كل منعطف
ومـــا أبـالـــي بـــه حتـى أحـــاذره ***  فخشية الموت عنـدي أبـرد الطرف.

فيأيها المسلم: إنما خلقت الدُّنيا لتجوزها لا لتحوزها، ولتعبرها لا لتعمرها، فاحذرها؛ لأنها أسحر من هاروت وماروت.

ومن أسباب دناءة الهمة وخستها وصغرها: الوقوع في الذنوب، ومخالفة علام الغيوب، كما أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم -عليه رحمة الله- عند حديثه عن عقوبات الذنوب والمعاصي فقال: "ومن عقوباتها أنها تصغر النفس، وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر كل شيء وأحقره؛ كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (سورة الشمس:9-10)، والمعنى قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها، وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله.. فالعاصي يدس نفسه في المعصية، ويخفي مكانها، ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به، قد انقمع عند نفسه وانقمع عند الله، وانقمع عند الخلق، فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها وتعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاه وأعلاه، ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله -تعالى-، وبهذا الذل حصل لها هذا العز والشرف والنمو، فما صغر النفس مثل معصية الله، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله"( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).

وقال أيضاً: "فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار، فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} (سورة الإسراء(84)، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعادته التي ألفها وجبل عليها، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن النعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر النعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله"( الفوائد).

فمن وقع في معصية الله -تعالى- فهمته دنيئة وخسيسة؛ وإليك بعض الذنوب التي بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من وقع فيها فهو دليل على خسته وصغر همته؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده"( البخاري ومسلم). فانظر إلى خسة السارق ودناءته كيف طاوع نفسه وشيطانه حتى أقدم على السرقة فكان جزاؤه قطع يده!!.
ومن دنو الهمة وخستها: سؤال الناس في حق من كان صحيحاً معافى، ولم تنزل به جائحة؛ فعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح" (رواه الترمذي وقال الألباني:صحيح).

ومن أسباب دناءة الهمة: التكالب على الدنيا، والتنافس في جمع حطامها
فلقد أصبح البعض عبداً للدينار والدرهم، وتناسى الآخرة التي سيصير إليها؛ يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش"( البخاري ومسلم) "فدل هذا -الحديث- على أن من أحب شيئاً وأطاعه، وكان من غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله وعادي لأجله فهو عبده"( معارج القبول2/433)، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد الخميصة، ولا دناءة أعظم من أن يصبح الإنسان عبداً لغير الله من دينار ودرهم؛ كما يعلق على هذا الحديث القرطبي فيقول: "ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد".(الجامع لأحكام القرآن (18/125).

أيها الأحبة: "لقد كانت حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مليئة بألوان من تربية المسلمين على علو الهمة، فلقد كان مثالاً يُحتذى، ونهجاً يُقتفى في كرم نفسه، وشرف همته، فهو أعلى البشرية همة بكلِّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

له همم لا مُنتهى لكبارها *** وهمَّتُه الصُّغرى أجلُّ من الدهر
ثُمَّ إن أصحابه الكرام، الذين ورثوا عنه العلم والعمل، كان لهم القدح المُعلَّى، والنصيب الأوفى من هذا الخلق الأسمى.

فإن أتيت إلى عبادتهم وجدتهم رُهبان الليل، الذين أضناهم السهر، وأضنتهم العبادة، وإن أتيت للجهاد وجدتهم الأسود الخادرة، التي إذا غضبتْ لم يقم لغضبتها شيءٌ، وإن أتيت للحكمة وجدت ينابيعها تتفجر من على ألسنتهم، وإن أتيت للعلم وجدتهم أعمق الناس فهماً، وأصفاهم قريحة، وأقلّهم تكلفاً.

وما تحقق لهم ذلك إلا عندما زكت نفوسهم، وارتفعت هممهم، وقوي إيمانهم ويقينهم، فبارك الله في أعمارهم، وزكَّى أقوالهم وأعمالهم، فكانوا أئمة هُدى، ومصابيح دجى".

فيا عبد الله:

كن كالصحابة في زهد وفي ورع *** القوم ما لهم في الأرض أشباه
عباد ليل إذا حل الظلام بهم *** كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم *** هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً *** يشيدون لنا مجداً أضعناه

ولتكن همتك في فعل الخيرات والطاعات عالية لا تقف عند حد؛ قال المتنبي -رحمه الله-:

إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم

أسأل الله -تعالى- أن تجد هذه الكلمات قبولاً في القلوب، وأثراً في النفوس، وأن تكون سبباً لبعث الهمم من مراقدها، وإيقاظ الأمة من سباتها، وطول غفلتها.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
 

- التربية الإيمانية للأطفال.. لماذا؟

إن الحرب التي تواجهها الأمة اليوم صارت حربا شرسة على أصوليات الدين وثوابت الإسلام، وهي تضرب الدين في الصميم، ولا يمكن أن تواجه هذه الحروب الطاحنة إلا بعقيدة واضحة راسخة وإيمان قوي ثابت. ثم إن الناظر في التاريخ يجد ارتباطا بين سلامة العقيدة والدين وبين الانتصار والرفعة، ففي الوقت الذي تتمسك الأمة بعقيدتها وتهتم لها وتحتفي بها يعلو على العالمين كعبها وترجح على جميع الأمم كفتها، وفي كل وقت ظهرت فيه الخزعبلات والشطحات والبدع والضلالات انكسرت الأمة وذاقت الويلات.ونحن في هذا المقال نتحدث عن أهمية تنشئة أبنائنا وأطفالنا تنشئة إيمانية لنحفظ عليهم دينهم من الشبهات المضلة ولنعدهم للدفاع عن حوزة الدين.. ومع أن أصل المقال لتربية الصغار إلا أننا لا نتوجه به فقط إلى أب يريد أن يربي أبناءه أو أم تريد أن تنشئ أولادها. ولكنا نسوقه إلى كل شيخ في مسجد يربي سامعيه، أو أستاذ في مدرسة يوجه تلاميذه، أو داعية بين الناس.. نقول لهم جميعا: العقيدة  أولا، العقيدة أولا.لماذا الصغار؟!وإنما كان التركيز على الصغار في لزوم التربية العقدية والإيمانية لأمور مهمة.. منها:أولا: أن أطفال اليوم هم أمل الغد، والجيل الذي سيحمل راية (لا إله إلا الله، محمد رسول  الله)، فإن نحن أعددناهم لذلك رفعوها ونصروها، وإن أهملناهم ضيعوها وخذلوها. وكما قال بعض الدعاة: "إذا كنا بؤنا بعار عدم التمكين، فلا أقل من أن نعد أبناءنا له".ثانيا: لأن الطفولة هي حجر الأساس في بناء التكوين العقدي الإيماني واستقبال القيم  والمبادئ مع الاستعداد الفطري لاستقبال العقيدة الصحيحة كما قال صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، ثم قرأ أبو هريرة: "فطرت الله التي فطر الناس عليها".ثالثاً: أن ما يتعلمه الطفل في صغره من قيم ومبادئ وأصول وعقائد يبقى راسخا في ذهنه  بقية عمره يصعب تغييره أو تحويله عنه.رابعاً: العلاقة الوثيقة بين العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، وبين العقيدة الباطلة والأخلاق الفاسدة، وأثر العقيدة العظيم في شخصية الإنسان.اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال: ومن أعظم أسباب الاهتمام بتربية الناشئة أنني وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالطفل اهتماما بالغا كما كان يهتم بالكبار، وربما غاب هذا عن البعض لقلة التنبيه عليه أو التوجيه إليه والتأليف فيه.ومن عجيب ما تقرأ في هذا الصدد ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علي رضي الله عنه قال: "شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح نصارى بني تغلب على ألا ينصِّروا الأبناء، فإن فعلوا فلا عهد لهم". قال علي: لو فرغت لقاتلتهم.وفي المصنف: "قدم رجال من تغلب على عمر فقال: إنه كان لكم في الجاهلية نصيبا فخذوا نصيبكم من الإسلام، (فكأنهم رفضوا الإسلام) فصالحهم على أن أضعف عليهم الجزية ولا ينصروا أبناءهم.وكان لمجاهد غلام نصراني: فكان يقول له: يا جرير!! أسلم، ثم قال: هكذا كان يقال لهم. (يعني هكذا كان يفعل الصحابة بمواليهم النصارى).وفي الحديث الصحيح في البخاري عن أنس قال: " كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ" رواه البخاري.وفي رواية: فقال: اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله! فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، وسكت الفتى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال أبوه في الثالثة: قل ما قال لك، ففعل، فمات، فأرادت اليهود أن تليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى به منكم، فغسله النبي صلى الله عليه وسلم، وكفنه، وحنطه، وصلى عليه.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم بإيمان الغلمان الصغار كما كان يهتم بإيمان الكبار ففي الوقت الذي دعا فيه أبا بكر للإسلام دعا فيه علياً وكان ابن سبع أو ابن عشر سنين، وكما اهتم بالطفيل بن عمرو الدوسي فكلمه ودعاه كذلك اهتم بأبي قرصافة الراعي الصغير.. يقول أبو قرصافة: كان بدء إسلامي أني كنت يتيما بين يدي أمي وخالتي وكان أكثير ميلي إلى خالتي وكنت أرعى شويهات لي، فكانت خالتي كثيرا ما ت قول لي: يا بني لا تمر إلى هذا الرجل فيغويك ويضلك... فأتيت أول يوم فسمعته ثم رحت وغنمي يابسات الضروع. فقالت خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع فقلت لا أدري. ثم إني فعلت في اليوم الثاني كذلك...وفي اليوم الثالث لم أزل أسمع حتى أسلمت وبايعته وصافحته.... وشكوت إليه أمر خالتي وأمر غنمي... فقال لي صلى الله عليه وسلم: "جئني بالشياة" فجئته بهن فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن بالبركة فامتلأت شحما ولبنا فلما دخلت بهن على خالتي قالت يا بني هكذا فارع... فقلت يا خالة ما رعيت إلا حيث أرعى كل يوم ولكن أخبرك بقصتي فأخبرتها بالقصة وإتياني النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرتها بسيرته وبكلامه فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه. فذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم". (قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات).
وكلنا يعلم حديث ابن عباس الشهير والذي علمه فيه أمورا عقدية وأساسيات إيمانية، ومعلوم أن ابن عباس كان عمره ثلاث عشرة سنة حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يقول ابن عباس: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَال:َ يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ". رواه أحمد والترمذي قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وكذا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فاسمعه يقول: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ  عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا" متفق عليه.وعندما أمره الله بتبليغ الرسالة إلى أهله وقومه وجمعهم وأخبرهم أنه رسول الله إليهم كان مما قال: "يافاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا".. وفاطمة في هذا الوقت كانت صبية صغيرة فقد ورد في كتب التراجم أنها ولدت والنبي صلى الله عليه وسلم ابن إحدى وأربعين سنة.وكانت أم سليم تقول لأنس وهو صغير ما زال رضيعا: يا أنس!! قل لا إله إلا الله.وكان أبو هريرة يمر على الصبيان فربما قال لبعضهم: يابني إذا لقيت عيسى ابن مريم فأقرئه من أبي هريرة السلام..وما هذا منه إلا فتحا لباب المعرفة والسؤال أمام الأطفال ليتعلموا عقيدة المسلمين في عيسى وأنه سينزل آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.والمقصود هو بيان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الكرام بزرع الإيمان في قلوب الصغار وهو ما ينبغي علينا الاهتمام به.وأما كيفية ذلك وسبل الوصول إليه فسنبينه إن شاء الله في مقال لاحق.. نسأل الله لنا ولأبنائناالتوفيق والرشاد والهداية والسداد
.

الأحد، 9 أبريل 2017

- التربية الإيمانية والرقى الأخلاقى



عندما  يرى خليفة الأمة أن القائد العام يترك منصبه ويتحوّل إلى جندي،
ولا يتأثر القائد ولا يتغير ولا يفتر ولا يترك الجهاد ويذهب إلى منزله معترضاً على هذا التصرف،
بل إن خالد بن الوليد رضى الله عنه عندما كان في رتبة تعد أعلى من قائد الجيش-
باعتبار علو الرتبة العسكرية العليا تكون بعدد المعارك التى خاضها،
ولايوجد في التاريخ قائدٌ خاض أكثر من مائة معركة وانتصر فيها كلها،
وكل معركة لها تكتيكٌ جديد يحتاج إلى مدارسة كلية الأركان في أنحاء العالم كخالد بن الوليد –

ومع ذلك جاءه خطاب العزل وهو في معمعة القتال!
والعزل يعني أن يصير جندياً ولا يُعفي من الخدمة! فرضي وأطاع الأمر!
وجاءه أحد المنافقين وقال: كيف تُعزل وأنت من أنت؟!
إن معي مائة ألف سيف أوقفتها معك! فلا تنفذ الأمر وكلنا معك!
قال: بئسما ما تطلبه مني يا أخي!، أنا مجاهدٌ في سبيل الله ولا يهمني في ذلك أن أكون قائداً أو جنديا!!

نحن في أمسِّ الحاجة إلى نفوس تربت هذه التربية،
لأن خالداً لم يكن مقتنعاً بقرار عمر لأنه لم يخطىء حتى يعاقب،
ولكنه يعلم أن عمر عزله خوفاً على المسلمين أن يفتنوا بخالد في الحرب،
وعمر يربي الأمة على كمال اليقين بالله،
فانحاز خالد لمصلحة الجماعة بلا جدال ولا نقاش، لأنه تربَّى التربية الإيمانية على المائدة المحمديَّة؛
وهذا بالضبط ما يحتاج إليها المجتمع المسلم لينهض من كبوته وليعيد مجد الأمة مرة أخرى!

فكيف نتوصَّل لذلك؟
هل بالكتب والقراءة والإطلاع كما يقول البعض؟
هل بالخطب والمواعظ والفضائيات؟
لا .... بل باستعادة النهج النبوى للتربية كما قال عزَّ وجلَّ:
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)
(151- البقرة)
................................................
🌱 اشراقة من كتاب اصلاح الافراد والمجتمعات فى الاسلام
🌱 لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

- نوافل البر طريق إلى المحبة!



إن أحسن العبادة بعد الفرائض هو ما تعدَّى نفعه لغيرك.
ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم قيمة العمل الذي يعمله الإنسان لبني الإنسان وبيَّن أنَّه أكبر النوافل في الثواب عند حضرة الرحمن.
ماهي أكبر النوافل في الثواب؟
تعالوا معي نستعرض بعض ما ذكره النبى الأواب صلى الله عليه وسلم:
يظنّ بعض الناس أن أكبر النوافل هي قيام الليل، أو صيام النهار، أو تلاوة القرآن، أو تكرار الحج والعمرة لبيت الله الحرام .. هذا صحيحٌ إذا لم يكن هناك عملٌ يستطيع أن يُقدّمه لمن حوله من بني الإنسان!! ....
واسمع إلى حضرة النبى الصفىّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول لصحبه الكرام ولنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا منبهاً وموضحاً .. وأعيرونى أسماعكم وفهمكم بارك الله فيكم وعليكم:
{ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ }
بمعنى أن الأخ المسلم لو يقضى بعضاً من ليلة في الصلح بين إثنين متخاصمين خيرٌ له من قيام هذه الليلة راكعاً ساجداً لمولاه، أو تالياً لكتاب الله، أو ذاكراً لحضرة الله، لأن العمل الذى يقدّمه لله عزوجل هو العمل الذى يتعدّى المرء إلى ماعداه.
قيام الليل وصيام النهار وتلاوة القرآن والذكر والحج أعمالٌ صالحة يقول فيها الله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ  وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا  ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )(15الجاثية)، ومعي شاهدٌ من العصر الأول :
تعالوا بنا ننظر إلى قيام الصديق لليل فكيف كان قيامه؟ ذهب عمر بن الخطاب إلى امراة مُقعدة في بيتها ولا تجد من يخدمها، وكلما ذهب إليها وجد بيتها وقد جُهّز ونُظفّ، وحاجاتها قد قُضيت فسألها: يا أمة الله من الذى يأتى إليك ويقضي هذه الحاجات ؟ قالت: رجلٌ لا أعرفه، قال متى يأتيك؟ قالت: قبل الفجر بساعة، أو قالت كما قيل في بعض الروايات عند الآذان الأول، والآذان الأول كان يؤذّن قبل الفجر بساعة، فذهب قبل الموعد وتخفى في بعض نواحي الطريق لينظر من يأتيها.
فإذا بأبي بكرٍ الصديق رضى الله عنه يذهب إلى هذه المرأة يكنس بيتها ويُحضر الماء والطعام لها، ويُنظّف هيئتها ويتركها على خير حال،
لأن هذه هى العبادة الأرقى والأسمى التى علمها له نبيّنا الكريم ورسولنا الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلم!!
وفي حديث آخر بيّن النبى صلى الله عليه وسلم الأعمال التى ينبغي أن تكون دأب المسلمين في كل زمان ومكان وخاصة في هذا العصر والزمان، فقال صلى الله عليه وسلم: { من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار قضاها أو لم يقضها كان خيرا له من اعتكاف شهرين }  وقد فقه أصحاب النبي ذلك ووعوه وطبقوه حياتياً وعملياً،
الحب للمؤمنين والحب لرسول رب العالمين، والحب لله هو الترجمة العملية التى تُصلح شأن مجتمعنا،
ركّز النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه لبناء مجتمع إيماني سديد، فكان يُربّي أصحابه على النقاء وعلى الصفاء وعلى الوفاء، ثم بعد ذلك يدعوهم لتنشيط الأعضاء بخدمة إخوانهم طمعاً في مرضاة الله، وعبادة الله سبحانه وتعالى كما أمر وكما بيّن في قرآنه العظيم.
.................................................................
 🌱 اشراقة من كتاب اصلاح الافراد والمجتمعات فى الاسلام
🌱 لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

- الحــرب العالمية الاخـــــيرة

حــــــرب النــــهاية
-----------------------------------
نحن الآن في المراحل قبل الأخيرة كيف؟ ما يحدث في العالم العربي الآن فكله مبشرات بأن كل الأنظمة البالية والفاسدة والتي كانت تحمى اليهود ستنتهي وتتحد الأُمة العربية كشعوب وستحيا هذه الشعوب وتنهض فعندها كل المقومات اللازمة وأكثر بكثير جداً مما عند أوروبا مثلاً وإنما المانع هم الحكام أنفسهم فعندما يزولون فما الذي يمنعنا من ذلك؟
فتبدأ الدول العربية في النهوض ثم بعد نهوض الدول العربية تحدث حرب النهاية وهى الحرب التي لابد منها وهى التي تنبأ بها رسول الله وأوضحها وهى الحرب العالمية الأخيرة وهى التي ذكرها الله {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}
والآن هم جاهزون فروسيا جهزت صواريخها والصندوق الصغير الذي سيطلق كل هذه الصواريخ موجود مع رئيسهم وأمريكا كذلك فتحدث حرب بين الاثنين وفى هذه الفترة من سيدافع عن إسرائيل؟ لا يوجد أحد والعرب لم يعد فيهم خيانة لأن ملوكهم ورؤسائهم ذهبوا فينزل العرب على اليهود فتأخذهم الوهلة ومن شدة الوهلة لا يستطيعون استخدام أسلحتهم حتى الذرية فيحصل فيهم قول رسول الله {لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّـى يُقَاتِلَ الـمُسْلِـمُونَ الْـيَهُودَ فَـيَقْتُلُهُمُ الـمُسْلِـمُونَ حَتَّـى يَخْتَبِىءَ الْـيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الـحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَـيَقُولُ الـحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِـمُ يَا عَبْدَ الله هذا يَهُودِيٌّ خَـلْفِـي فَتَعَالَ فَـاقْتُلْهُ إِلاَّ الْغَرْقَد فَـإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْـيَهُودِ}
ومن اراد المزيد يمكنه تحميل الكتاب مجانا
.----------------------------------------------
 من كتاب بنو إسرائيل ووعدُ الآخرة
 الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

الخميس، 6 أبريل 2017

- كنوز الغيب الإلهية

 كنوز الغيب الإلهية   
-----------------------------------
إسراؤه العالي  يجدد    صفونا      نعطى  به خيراً يدوم  كل عام
بشرى لنا بشرى لقد نلنا المرام      أسرى الإله بسيد الرسل الكرام
و الإسراء و المعراج يا إخواني ....... :
هما كنوز الغيب الإلهية للأرواح التقيَّة النقيَّة ، فيتناول منها العارفون فصوص الحكم ، ودرر المعاني ، وغيوب الأسرار ، ليناولونها في حضرة النبي المختار ، للمقربين و الأطهار و الأبرار .
نسأل الله أن نكون جميعا من الجالسين علي هذه المائدة ، مائـدة الفضل الإلهي
والعلم الرباني ، و الشراب المحمدي ، نحن و إخواننا أجمعين ..
فمنه عام لجميع أهل الإسلام ، ومنه خاص لأهل الإخلاص ، ومنه خاص الخاص للخواص وأهل الإختصاص ، وفيه أنوار لا تلوح إلا لقلوب صفت من الحظ و الأكدار ، وفيه أسرار لا تظهر إلا لقلب نقى من الأغيار ، وفيه مالا يستطيع أن يبيِّن عنه الإنسان بالعبارة ولا أن يشير إليه بالإشارة ، لأن هذا سرُّ الله مع حبيبه ومصطفاه .
والحقيقة يا إخواني أننا جميعاً عاجزون عن الخوض في هذا الميدان ، وكلنا لسنا من فرسان الحديث في هذا الموضوع ، إلا إذا عمَّنا فضل الله وأتحفنا إسعاف رسول الله ، ووالتنا الإغاثة من بحور الفضل الإلهي،  فتعمُّــنا ، وتعمُّ إخواننا ، والفضل في ذلك لله .... أولاً ، وآخراً
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
---------------------------------------------
 اشراقة من كتاب اشراقات الإسراء (الجزء الأول)
  لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد


اشراقات الإسراء (الجزء الأول) | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ...

الأربعاء، 5 أبريل 2017

- عـــلم الــــذوق


رأس مال الإنسان الذي يمشي به مع الصالحين هو الذوق فمن معه الذوق السليم، والقلب المستقيم؛ يُبْشَّر ويبشِّر نفسه بأنه سيكون ممن يُخصوا بجزء من ميراث:
( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) (6سورة النمل)

والذوق هبة من الله، يقولون فيها:{ قد يعطى الذوق رجل أمي، وقد يحرم من الذوق عالم أزهري }

إن هذا الذوق تعليم إلهيّ ربانيّ، يأتي بالإخلاص، ومفتاحه الإخلاص من منكم يا إخواني يستطيع أن يعرفنا بعض أسماء الكتب في علم الذوق ، الذوق الإرشادي الخاص بنا، وليس علم التذوق أي تذوق الطعام وكتبه كثيرة، لكن الذي نعنيه هو الذوق في الفهوم، والذوق في العلوم، والذوق في الأسرار، والأنوار. من الذي يستطيع أن يُعلَّمه؟لا يوجد

ولكنك تستطيع أن تتلقاه متى؟إذا ملئ القلب بالإخلاص لله، وصارت النفس على قدم الصدق نحو الله.

فأول علم يتلقاه الإنسان بعد ذلك هو علم الذوق، وصاحب هذا العلم يلهمه الله بالأدب الذي يصحب به إخوانه، ويلهمه الله بالأدب الذي يصحب به العارفين؛ لكي ينال فضل ربِّ العالمين.

فدخول الجنة، بالأعمال الصالحة .أما وجه الله فلا ينال إلا بالأدب مع الله.

ورؤية حبيب الله ومصطفا لا تنال إلا بكمال الأدب مع حضرته، على وفق كتاب الله سبحانه وتعالى.

فلكي يمشي الإنسان في طريق الله، فإن الله يؤهله، ويعطيه الذوق السليم، فيعرف من غير مُعرِّف، ويتأهل بدون مؤهل، فيجد نفسه ولو بعد سنين، وهو يطالع في كتب العارفين، أن الآداب التي ألهمه بها الله هي نفسها الموجودة في كتب العارفين، مع أنهم أيضاً لم يتلقوها من كتاب، ولكنهم أخذوها من علي الجناب
الله يرفع لا علمي ولا عملي
محو الكيان بعاليه وسافله
علم من الله بالإلهام في الأصل

لأن من الجائز أن يسيء الإنسان الأدب؛ فيحدث له العطب، فلو صحب العارفين مع ذلك لمدة خمسين سنة، فلن يزيد إلا حرمانا، لأنه لم يحفظ الآداب، ولذلك كان الإمام أبو العزائم يقول:
{ حافظ على الأدب ولو رقيت إلى أعلى الرتب }

فسيدنا أبو بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا علي، وسيدنا عثمان رضي الله عنهم أجمعين، من أين تعلموا الأدب؟ من الذوق،

فتح الله لهم باب الذوق السـليم:فعلمهم الأدب الكامل مع النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن ينتظر أن تعلمه الناس علم الآداب، فيلزمه أن يظل في الإسـطبل مع الدواب.والإمام أبو العزائم يقول:{ المريد الصادق، يفهم إشارة المرشد قبل كلامه }
فلا يحتاج إلى كلام باللسان
ولكنه يعرف ما يريده الشيخ من القلب والجنـان، وذلك لأن الموجة والإرسال واحد، فعندما تكون الموجه واحدة، وهذا الجهاز سليم، والآخر سليم؛ فمن يضبط المؤشر؛ سيأتي بنفس الموجه.وهم جميعاً مؤشرهم على موجة النبي الكريم.

ولذلك أحياناً تجدهم؛ هذا يتكلم والآخر يتكلم، وهذا في مكان والثاني في مكان آخر، ومع ذلك تجد أن ما هنا هناك، لأن الإرسال واحد، لأن الإنسان عبارة عن جهاز استقبال، باطنه يستقبل الأنوار من الله عزَّ وجلَّ، والإلهامات من الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم.

فالذوق السليم يا إخواني هو عكاز المريد.فإذا فقد ذوقه؛ مات شوقه، وإذا مات شوقه؛ طالت حسراته، ولم يبلغ أمنياته، لأنه بَعُد عن طريق الصالحين رضي الله عنهم أجمعين في كل وقت وحين.
وتفصيل ذلك، ولكي تصل إلى ذلك:

علينا أن نرى أحوال الصالحين مع بعضهم، وإذا أردت أن أمشي في الطريق، عليَّ أن أرى أحوال السابقين، إما سمـاعاً، أو نظراً، وأمشي على هديها؛ إلى أن يفتح الله لي القلب، ولا أمشي على حسب هواي.

وما يبعد المريدين عن الطريق، أن كل واحد منهم يريد أن يمشي على هواه، مع أن المفروض ألا يكون لنا إلا هوى واحد؛ هوى حبيب الله ومصطفاة
(لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ )(1)

لماذا نختلف إذن؟، لأن كل واحد له هوى لكن لو عشقنا جميعاً الهوى، وهو الدوا، وهو حبيب الله أكمل مرسل، وفُتنا بأخلاقه، وتجمَّلنا بأحواله، هل نختلف؟، لن نختلف!، لأن الهوى واحد، والمنهج واحد، والقصد واحد.

ما اختلاف الطريق والقصد واحد والصــــــــراط السويُّ للمتواجد
فكما قال الكرام رَضِيَ الله عنهم وأرضاهم:
خالف الهوى وحاذر إن تولِّيه إن الهوى ما تولَّى يُصِم أو يَصَمِ

وما على المريد في البداية، إلا أن يجاهد، حتى يفتحوا له باب الذوق السليم، فيأتي له الإلهام المباشر من النبي الكريم، بعد ذلك سيمشي على الصراط المستقيم، وإذا حدث له زلل؛ سيجد أن النبي صلَّى الله عليه وسلم يأخذ بيده، لأنه على السبيل القويم، قال صلَّى الله عليه وسلم فى معنى الحديث الشريف:
المُؤمِنُ في يَمِينِ الله، كُلَّمَا وَقَعَ أَقَامَه

لكن من يمشي على هواه ؛ فليس بتابع لي. إذن، من هو المحسوب عليَّ ، من هو معي في الفصل، وأدرس له.

لكن الرجل الذي يأتي بكتاب من هنا، وكتاب من هناك، ويذاكر فيهم، فلا لي شأن به ، لأنه ليس معي في المنهج. ومعي في المنهج: يعني معي في القصد، لأنه لن يوجد من يريد الدنيا والآخرة معاً، وإذا أراد أحدهم الآخرة فقط؛ يجد أن الله يأتي له بالدنيا، رغم أنه لا يطلبها، وإذا أراد آخر الدنيا،فـلا شأن له بالآخرة.

لأن هذا طريق، وهذا طريق آخر، وقد قال الله للدنيا:
( يَا دُنْيَا، اخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي، وَأَتْعِبِي يَا دُنْيَا مَنْ خَدَمَكِ )(2)
وقد اشتهر بين الناس الأثر القائل:
( يا دنيا، من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه )

وهذه حكمة الله إذن يلزم أن يكون القصد واحد، لكي يكون المنهج واحد، وهذا أحرص ما يحرص عليه المريد.

ولذلك فإن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندما كان يرى المريدين .... رأى من يطيلون في الصلاة، وفي العبادات، وهم كرؤوس وأصول الخوارج؛ فقال عليه الصلاة والسلام فيما معناه:(إن العبْدَ ليُرْفَعُ لهُ من العَمَل ما بيْن السَّماءِ والأرضِ، ولا يَزِنُ عند الله جَنَاحَ بَعُوضَة ). وفى الحديث الآخر: ( وإِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ

وفى رواية : الطَّويل يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ((3)

وذلك لأنه يعمل هذه الأعمال، ويرى نفسه فيها، أنه عمل، وأنه ماهـر، ولم يعمل مثل عمله أحد وماذا عمل بغير الله؟

هل يستطيع أحدٌ أن يعمل أي عمل بغير معونة الله وتوفيقه عزَّ وجلَّ يا إخواني؟أنا مثلاً: أتكلم الآن، لكن لو أن الخط الذي يصلني منه مدد الله تعطَّل، كيف أتكلم؟، وهل أستطيع أن أصلح الخط مرَّة أخرى؟ أبداً
ولكنه كلُّه بتوفيق الله ومعونة الله عزَّ وجلَّ .
1))عن ابن عمرو رَضِيَ الله عنهما فى مشكاة المصابيح وفتح الباري.
(2)مسند الشهاب القضاعى ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلدُّنْيَا ..( الحديث ) .
(3)عن أبى هريرة ، متفق عليه ، وفيه بقية ( .. وَقَالَ : اقْرَءُوا ، (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا )

إشراقات الإسراء- ج2

منقول من كتاب {إشراقات الإسراء الجزء الثاني}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

- كنوز الاسماء والصفات الربانية


إسراء سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فيه لكل مسلم نصيب، ولكل مؤمن عطاء، ولكل محسن مشاهد، ولكل موقن تجليات، فالأمة كلها مكرمة بإسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وإن اختلفت الدرجات، وتفاوتت المقامات، لكن الكل مكرَّم بإسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ومن أجل ذلك فكلنا نقول ونردِّد الكلام الذي قاله الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه وأرضاه:


فبشرى بمعراج الحبيب وإسراه وبشرى لنا نلنا مشاهد معناه


فكلُّنا لنا البشرى بمعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، بعضنا يأخذ مشاهـد المعـنى، وبعضنا ينظر إلى الآيات في عالم المبنى، وبعضنا يُكرَم ويُكرَم من كنوز التقوى، ومن مخازن الإلهامات والفتوحات والتفضلات الإلهية، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والكل.


ونحن نريد أن نأخذ عطايا نصل منها إلى بعض كرم الله في إسراء حبيب الله ومصطفاه، الذي يناله العباد الذين تجملوا بالعبودية لله عزَّ وجلَّ، لأن الإسراء خصّه الله عزَّ وجلَّ بنبيكم الكريم، ولكنه فتح الباب لجميع الأحباب، فقال عزَّ وجلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} 1الإسراء


لم يقل بنبيِّه، لأنه لو قال بنبيه أو برسوله كان هذا قاصراً على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لكن كلمة (عبد)فتح بها الباب لكل من يصل إلى مقام العبودية الكاملة لله عزَّ وجلَّ، فكل من يصل - بالتخلق بالأخلاق المحمدية، والتعلق بالصفات الإلهية - إلى رتبة العبدية أو إلى مقام العبودية؛ فله نصيب من ميراث خير البرية في إسرائه ومعراجه إلى الله عزَّ وجلَّ.


فالحمد لله، فتح الله الباب لجميع الأحباب، لكن كل واحد يأخذ قسطاً من ميراث رسول الله في الإسراء، ولا يوجد في الأولين والآخرين أحد يستطيع أن يشاهد كل ما شاهده سيد الأولين والآخرين في وقت واحد، وقد أعطانا الله المثل، بالأنبياء السابقين وهم أعلى الرتب في القرب عند ربِّ العالمين، فمنهم من هو في السماء الأولى، ومن هو في الثانية، ومن هو في الثالثة، ومن هو في الرابعة، ومن هو في الخامسة، ومن هو في السادسة، ومن هو في السابعة.


والملائكة أيضاً، منهم عمَّار السماوات، ومنهم سكان سدرة المنتهى، ومنهم حملة العرش، ومنهم خدم الجنان، ومنهم ملائكة وخزنة النيران، وكل جماعة منهم كما قال أميرهم جبريل عليه السلام: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ}164الصافات


والذي هيمن على كل المقامات، والذي احتوى كل الدرجات، والذي مرّ بكل المنازلات، والذي أخذ كل كنوز الخيرات والبركات، واحد فقط: هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لكن الباقي؛ كل على قدره، كل واحد أخذ كنزاً يستطيع تحمله، وعلى قدر ما له من منزلة كريمة عند الكريم عزَّ وجلَّ.


فآدم عليه السلام أخذ كنز الأسماء والصفات: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} 31البقرة.
وبعدما علَّمه الأسماء كلها - التي كانت معروفة في زمانه وأوانه - جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال: أن الأسماء أنواع وأصناف: {أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أو اسْتٌّاثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ}{1}


فهناك أسماء اختص بها الله في ذاته وفي نفسه، لا يُعلِّمُها ولا يُعرِّفها إلاّ لخاصة رجال الله، وهو سيدنا رسول الله، لكن آدم علم أية أسماء؟ {بِكُلِّ اسْمٍ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ}، الأسماء التي علَّمها للخلق علّمها لآدم عليه السلام، سواءٌ كان الخلق من الجن، أو الإنس، أو الملائكة، كل اسم عرفه الخلق في زمنه وعصره وأوانه، علَّمه له الله، ليعلمهم آدم ما تعلَّمه من مائدة الإكرام والإنعام من المولى عزَّ وجلَّ.


لكن بعد ذلك الذي استأثر به في علم الغيب عنده، أمر آخر، كذلك ما سمَّى به نفسه، ولم يطّلع عليه أحد من خلقه، هذه كنوز، وما استأثر به في علم الغيب عنده، كنوز أخرى من الأسماء والصفات. وما يعلِّمه الخلق؛ هي هذه الأسماء التي يتفضل الله بها الله على المقربين، والتي نزلت في الكتب السماوية هي الأسماء التي اختارها الله والتي تلائم جميع المستويات والتي نسمِّيها الأسماء التوقيفية مثل: الغفور، الودود، ذو العرش، المجيد، الكريم، الوهاب، وهذه كلها موجودة في الكتب.


وهناك أسماء خاصة يعطيها الله عزَّ وجلَّ لخاصة عباده، كل واحد يأخذ اسم على قدره، وهذا يكون اسماً خاصاً به، لا يوجد في الكتب - حتى القرآن الكريم - لكنها أسماء يستأثر الله بها، ولكنه يخص بها عباده عزَّ وجلَّ المكرمين، وهي أسماء خاصة أيضاً من الله عزَّ وجلَّ.كل هذه الأسماء لم يطَّلع عليها كلَّها، ولا رآها كلَّها، إلاّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.


نأتي إلى سيدنا يحي في السماء الثانية: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} 12مريم
أي خذ الكتاب بشدة، وهذا الكتاب خصّه الله عزَّ وجلَّ به ، لكن كل الكتب السابقة هيمن الله عليها في كتاب الله {القرآن الكريم} وأطلع عليها سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فلا يوجد نبيٌّ تحدث بجميع ما في الكتب إلا هو، كل نبي كان مرتبطاً بكتابه:


سيدنا عيسى لا يتحدث إلا من الإنجيل، وسيدنا موسى لا يتحدث إلا من التوراة، وسيدنا داود لا يتحدث إلا من الزابور، وسيدنا إبراهيم لا يتحدث إلا من الصحف، لكن الذي تحدث عن الكلِّ، واطلّع على الكلِّ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، حتى عندما سألوه ذات مرة: {يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالاً كُلُّهَا- قرأها كلها - وَعَلَى الْعَاقِل مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً عَلَى عَقْلِهِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيها نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قَالَ: كَانَتْ عِبَراً كُلُّهَا}{2}
فالذي اطلّع على الكل، وقرأ الكل هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.



{1} عن عبدالله بن مسعود فى مجمع الزوائد والمستدرك على الحاكم.
{2} رواه ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ونقله عنه صاحب الترغيب و الترهيب.




شارك فى نشر الخير