آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 2 أغسطس 2017

- القبض والبسط.

" بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما كي لاتكون لشيء دونه ".

البسط فرح يعتري القلوب أو الأرواح، إما بسبب قرب شهود الحبيب، أو شهود جماله أو بكشف الحجاب عن أوصاف كماله وتجلى ذاته، أو بغير سبب.
والقبض حزن وضيق يعتري القلب، إما بسبب فوات مرغوب أو عدم حصول مطلوب أوبغير سبب، وهما يتعاقبان على السالك تعاقب الليل والنهار، فالعوام إذا غلب عليهم الخوف أنقبضوا، وإذا غلب عليهم الرجاء أنبسطوا، والخواص إذا تجلى لهم بوصف الجمال أنبسطوا، وإذا تجلى لهم بوصف الجلال أنقبضوا، وخواص الخواص استوى عندهم الجلال والجمال، فلا تغيرهم واردات الأحوال لأنهم بالله ولله لا لشيء سواه، فالأولون ملكتهم الأحوال، وخواص الخواص مالكون الأحوال، فمن لطفه بك أيها السالك أخرجك من الأغيار ودفعك إلى حضرة الأسرار، فإذا أخذك القبض وتمكن منك الخوف وسكنت تحت قهره وأنست بأمره أخرجك إلى البسط لئلا يحترق قلبك ويذوب جسمك، فإذا حبسك البسط وفرحت به وأنست بجماله قبضك لئلا يتركك مع البسط فتسيء الأدب وتجر إلى العطب، إذ لا يقف مع الأدب في البسط إلا القليل، هكذا يسيرك بين شهود جلاله وجماله، فإذا شهدت أثر وصف الجلال أنقبضت وإذا شهدت أثر وصف الجمال أنبسطت، ثم يفتح لك الباب ويرفع بينك وبينه الحجاب فتتنزه في كمال الذات وشهود الصفات فتغيب عن أثر الجلال والجمال بشهود الكبير المتعال، فلا جلاله يحجبك عن جماله، ولا جماله يحجبك عن جلاله، ولا ذاته تحبسك عن صفاته، ولا صفاته تحبسك عن ذاته، تشهد جماله في جلاله في جماله وتشهد ذاته في صفاته وصفاته في ذاته، أخرجك عن شهود أثر الجلال والجمال لتكون عبد الله في كل حال، أخرجك عن كل شيء لتكون حراً من كل شيء وعبداً له في كل شيء.

قال بعضهم:" القبض أولاً ثم البسط ثانياً ثم لا قبض ولا بسط، لأن القبض والبسط لمعان في الوجود وأما مع الفناء والبقاء فلا" واعلم أن القبض والبسط لهما آداب، فإذا أساء فيهما الأدب طرد إلى الباب أو إلى سياسة الدواب.

 فمن آداب القبض الطمأنينة والوقار والسكون تحت مجاري الأقدار والرجوع إلى الواحد القهار، فإن القبض شبيه بالليل والبسط شبيه بالنهار، ومن شأن الليل الرقاد والهدو والسكون والحنو، فاصبر أيها المريد واسكن تحت ظلمة ليل القبض حتى تشرق عليك شموس نهار البسط، إذ لا بد لليل من تعاقب النهار ولا بد للنهار من تعاقب الليل، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.
 هذا آداب القبض الذي لا تعرف له سبباً، وأما أن عرفت له سبباً فارجع فيه إلى مسبب الأسباب، ولذ بجانب الكريم الوهاب، فهل عودك إلا حسناً، وهل أسدي إليك إلا منناً، "فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الأختيار" فالذي أنزل الداء هو الذي بيده الشفاء، يا مهموم بنفسه لو ألقيتها إلى الله لأسترحت، فما تجده القلوب من الأحزان فلاجل ما منعته من الشهود والعيان.
 والحاصل أن سبب القبض انما هو النظر للسوى والغفلة عن المولى، وأما أهل الصفا فلا يشهدون إلا الصفا، ولذلك كان عليه الصلاة السلام يقول:" من أصابه هم أو غم فليقل الله الله لا أشرك به شيئاً فإن الله يذهب همه وغمه" أو كما قال عليه السلام، والحديث صحيح، فأنظر كيف دل عليه الصلاة والسلام المقبوض إلى الدواء وهو شهود التوحيد والغيبة عن الشرك فدلنا صلى الله عليه وسلم على القول والمراد منه المعنى فكأنه قال اعرفوا الله ووحدوه ينقلب قبضكم بسطاً ونقمتكم نعمة.

ومن آداب البسط، كف الجوارح عن الطغيان وخصوصاً جارحة اللسان، فإن النفس إذا فرحت بطرت وخفت ونشطت، فربما تنطق بكلمة لا تلقي لها بالا فتسقط في مهاوي القطيعة بسبب سوء أدبها، فإذا أحس المريد بالبسط فليلجم نفسه بلجام الصمت وليتحل بحلية السكينة والوقار وليدخل خلوته وليلتزم بيته، فمثل الفقير في حالة البسط والقوة كقدر على وفار فإن تركه يغلي اهراق ادامه وبقي شاحتاً وان كفه وأخمد ناره بقي ادامه تاماً، كذلك الفقير في حالة القوة والبسط يكون نوره قوياً وقلبه مجموعاً فإذا تحرك وبطش وتتبع قوته برد ورجع لضعفه وما ذلك إلا لسوء أدبه والله تعالى أعلم .

- شروق أنوار المعارف


شروق أنوار المعارف في أفق سماء القلوب يكون على قدر صحوها من سحب الآثار وغيم الأغيار وغين الأنوار.
فبقدر صفائها ومحوها يكون تمام أشراق نورها، فإذا انجلى عن سماء القلوب سحب الآثار وغيم الأغيار أشرق فيها نور الفنا، فيغيب القلب والروح عن الرسوم، ولم يبق إلا الحي القيوم، وإذا أنجلت عن الأسرار غين الأنوار أشرق فيها نور البقاء، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل.
فعلامة شروق هذه الأنوار، ترك التدبير والأختيار، والأكتفاء بنظر الواحد القهار، كما أشار إليه بقوله :

" الغافل إذا أصبح نظر في ماذا يفعل والعاقل ينظر ماذا يفعل الله به"

 الغافل هو الجاهل بالله ولو كثر ذكره باللسان، والعاقل هو العارف بالله ولو قل له ذكر اللسان، إذ المعتبر هو ذكر الجنان، فالغافل نفسه موجودة وآماله ممدودة ،إذا أصبح نظر ماذا يفعل بنفسه، فيدبر شؤنه ومأربه بعقله وحدسه، فهو ناظر لفعله معتمد على حوله وقوته، فإذا أفسخ القضاء ما أبرمه وهدم له ما أمله غضب وسخط وحزن وقنط، فنازع ربه وأساء أدبه، فلا جرم أنه يستحق من الله البعد، ويستوجب في قلبه الوحشة والطرد، إلا إن حصل له إياب، وأدام الوقوف بالباب، حتى يرفع عنه الحجاب، فحينئذ يلتحق بالأحباب.
 وأما العاقل وهو العارف، فقد تحققت في قلبه عظمة ربه، وأنجمع إليه بكلية قلبه، فأشرقت في قلبه شموس العرفان، وطوى من نظره وجود الأكوان، فليس له عن نفسه أخبار، ولا مع غير الله قرار، تصرفه بالله ومن الله وإلى الله، فقد فني عن نفسه وبقي بربه، فلم ير لها تركاً ولا فعلاً ولا قوة ولا حولاً، فإذا أصبح نظر ماذا يفعل الله به، فيتلقى كل ما يرد عليه بالفرح والسرور والبهجة والحبور لما هجم عليه من حق اليقين والغنى برب العالمين،قال أبو عثمان رضي الله عنه:" منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته" فإذا أراد الفقير أن يكون تصرفه بالله فلينعزل عن حظوظه وهواه، فعليك أيها المريد بالأعتناء بهذا الأمر وافهم عن الله في أمورك كلها وأنشد على نفسك:
أتبع رياح القضا ودر حيث دارت ... وسلم لسلمى وسر حيث سارت
 إيقاظ الهمم في شرح الحكم

- كُنْ بِأَوْصَافِ رُبُوْبِيَّتِهِ – مُتَعَلِّقَاً، وَبِأَوْصَافِ عُبُوْدِيَّتِكَ – مُتَحَقِّقَا

أوصاف الربوبية هي العز والكبرياء، والعظمة والغنى، والقدرة والعلم، وغير ذلك من أوصاف الكمالات التي لا نهاية لها.
وأوصاف العبودية هي الذل والفقر، والعجز والضعف والجهل، وغير ذلك مما يناسب العبودية من النقائص.
 وكيفية التعلق بأوصاف الحق هو أن تلتجيء في أمورك إليه، وتعتمد في حوائجك عليه، وترفض كل ما سواه، ولا ترى في الوجود إلا إياه، فإذا نظرت إلى عزه وكبريائه وعظمته تعززت به، ولم تتعزز بغيره، وصغر في عينك دونه كل شيء، وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالغنى تعلقت بغناه، وأستغنيت عما سواه، ولم تفتقر إلى شيء، وأستغنيت به عن كل شيء، وإذا نظرت إلى وصفه تعالى بالقدرة والقوة لم تلتجئ في حال عجزك وضعفك إلا إلى قدرته وقوته، واستضعفت كل شيء، وإذا نظرت إلى سعة علمه واحاطته أكتفيت بعلمه وأستغنيت عن طلبه، وقلت بلسان الحال علمه يغني عن سؤالي، وهكذا في جميع الأوصاف والأسماء فكلها تصلح للتعلق والتخلق والتحقق.
 وكيفية التخلق بأوصافه تعالى، أن تكون في باطنك عزيزاً قوياً به، عظيماً كبيراً عنده، قوياً في دينه وفي معرفته، عالماً به وبأحكامه وهكذا، وحاصلها استعمال الحرية في الباطن والعبودية في الظاهر.
 وكيفية التحقق بأسماء الله تعالى، أن تكون تلك المعاني فيك راسخة متمكنة متحققة فيك وجودها، فالتخلق مجاهدة، والتحقق مشاهدة، أي يكون وجودها غريزياً.
 وكيفية التخلق بأوصاف العبودية: هو التحقق بالذل في الظاهر حتى يصير الذل عندك حرفة وطبيعة، لا تأنف منه بل تستحليه وتغتبط به، وكذلك الفقر والضعف والجهل وسائر أوصاف العبودية تتحقق بوجودها في ظاهرك حتى يكون ذلك شرفاً عندك، وكان الشيخ سيدي علي رضي الله عنه يقول:" أهل الظاهر يتنافسون في العلو أيهم يكون أعلى من الآخر وأهل الباطن يتنافسون في الحنو أيهم يكون أحنى من الآخر"... بالمعنى، وقال الشيخ زروق رضي الله عنه:" أوصاف الربوبية أربعة تقابلها أربعة هي أوصاف العبودية:
 أولها الغنى ويقابله الفقر
 الثاني العز ويقابله الذل
 الثالث القدرة ويقابلها العجز
 الرابع القوة ويقابلها الضعف

وكل هذه متلازمة ان وجد واحدها وجد جميعها، ووجود المقابل ملزوم بوجود مقابله فمن استغنى بالله افتقر إليه، ومن افتقر إلى الله أستغنى به، ومن تعزز بالله ذل له، ومن ذل له تعزز به، ومن شاهد قدرته رأى عجز نفسه، ومن رأى عجز نفسه شاهد قدرة مولاه، ومن نظر ضعف نفسه رأى قوة مولاه، ومن رأى قوته علم ضعف نفسه ،لكن ان كان البساط النظر لأوصافك فأنت الفقير إلى الله، وان كان البساط النظر إلى أوصافه فأنت الغني بالله، وهما يتعاقبان على العارف، فتارة يغلب عليه الغنى بالله فتظهر عليه آثار العناية، وتارة يظهر عليه آثار الفقر إلى الله فيلتزم الرعاية.

 قلت والتحقيق ما قدمناه من أن التعلق بأوصاف الربوبية يكون في الباطن، والتحقق بأوصاف العبودية يكون في الظاهر، فالحرية في الباطن على الدوام والعبودية في الظاهر على الدوام، فحرية الباطن هي شهود أوصاف الربوبية وهو معنى التعلق بها ،لكن أن كان مجاهدة فهو تعلق، وأن كان طبيعة وغريزة فهو تحقق، أو تقول ان كان حالاً فهو تعلق، وان كان مقاماً فهو تحقق، وعبودية الظاهر هي شهود أوصاف العبودية قياماً بالحكمة وسترا للقدرة، والحاصل أن عظمة الربوبية ظهرت في مظاهر العبودية، فمن نظر للعظمة صرفاً تحقق بعظمة الربوبية، ومن نظر لظاهر المظهر تحقق بأوصاف العبودية، والكامل ينظر لهما معاً فيتحقق بعظمة الربوبية في الباطن، ويتحقق بأوصاف العبودية في الظاهر، فيعطي كل ذي حق، فالجمع في باطنه مشهود والفرق في ظاهره موجود والله تعالى أعلم.
 إيقاظ الهمم شرح متن الحكم



شارك فى نشر الخير